في عصر البيانات الضخمة والإعلانات الرقمية المستهدفة، يتزايد القلق حول ما إذا كانت الهواتف الذكية تستمع بالفعل إلى محادثاتنا. العديد من المستخدمين لاحظوا ظهور إعلانات تتعلق بمواضيع ناقشوها شفهيًا، رغم عدم البحث عنها أبدًا، مما يثير تساؤلات حول آليات استهداف الإعلانات ومدى احترام خصوصية المستخدمين.
تنفي شركات التكنولوجيا الكبرى مثل ميتا (فيسبوك وإنستجرام)، جوجل، وتويتر علنًا استخدام ميكروفونات الهواتف لتسجيل المحادثات وتحليلها لأغراض إعلانية. لكنها في المقابل، تعتمد على أساليب أخرى لجمع البيانات وتحليل السلوك الرقمي بطريقة تجعل الإعلانات تبدو وكأنها “تقرأ أفكارنا”.
كيف تعمل الإعلانات المستهدفة؟
قبل افتراض أن التطبيقات تستمع إلى محادثاتنا، من الضروري فهم آلية عمل الإعلانات المستهدفة. تعتمد المنصات الرقمية على تقنيات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي للتنبؤ باهتمامات المستخدمين، وذلك عبر الطرق التالية:
1. تحليل سجل البحث والنشاط على الإنترنت
كل مرة تستخدم فيها محرك بحث، تزور موقعًا إلكترونيًا، أو تتفاعل مع منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، يتم تخزين هذه البيانات وتحليلها لإنشاء ملف تعريف رقمي يعكس اهتماماتك وتفضيلاتك.
2. تعقب الموقع الجغرافي
تستفيد التطبيقات من بيانات GPS وتقنيات التتبع الجغرافي لتحديد موقع المستخدمين ومعرفة الأماكن التي يزورونها. على سبيل المثال، إذا كنت تزور متجرًا معينًا، فقد تبدأ في رؤية إعلانات لمنتجات من هذا المتجر لاحقًا.
3. تحليل تفاعلاتك على وسائل التواصل الاجتماعي
يتم مراقبة الإعجابات، التعليقات، المشاركات، وحتى مدة مشاهدة المنشورات لتحديد اهتمامات المستخدم. فمثلًا، إذا شاهدت فيديو عن اللياقة البدنية لفترة طويلة، فمن المحتمل أن تبدأ في رؤية إعلانات لمكملات غذائية أو معدات رياضية.
4. جمع البيانات من التطبيقات الأخرى
تشارك بعض التطبيقات بيانات المستخدم مع منصات الإعلانات الكبرى، مما يساعد في إنشاء صورة دقيقة حول اهتماماته وسلوكياته الرقمية.
هل يمكن للتطبيقات الاستماع إلى محادثاتك عبر الميكروفون؟
رغم أن الشركات الكبرى تنفي استخدام الميكروفونات للتجسس، إلا أن بعض الأدلة التقنية والتجارب الفردية تشير إلى أن هذا الاحتمال قد يكون واردًا.
1. الأذونات الواسعة التي تطلبها التطبيقات
عند تثبيت تطبيقات مثل فيسبوك، إنستجرام، واتساب، تيك توك، وسناب شات، غالبًا ما تطلب إذن الوصول إلى الميكروفون، حتى لو لم يكن هناك حاجة واضحة لذلك.
2. تجارب المستخدمين والشهادات الشخصية
العديد من المستخدمين أفادوا بأنهم تحدثوا عن منتج معين مع الأصدقاء، وبعد فترة وجيزة ظهر لهم إعلان عن المنتج نفسه، رغم عدم البحث عنه على الإنترنت.
3. الثغرات الأمنية والتطبيقات الخبيثة
في بعض الحالات، يمكن للتطبيقات غير الموثوقة أو البرمجيات الضارة استغلال أذونات الميكروفون لتسجيل الصوت وتحليل البيانات الصوتية لاستخدامها في الإعلانات.
كيف تحمي خصوصيتك وتمنع التطبيقات من الاستماع إلى محادثاتك؟
حتى لو لم تكن التطبيقات الكبرى تستخدم الميكروفون للتجسس، فإن تقليل مشاركة البيانات الشخصية والتحكم في الأذونات هو أمر ضروري لحماية الخصوصية.
1. تعطيل أذونات الميكروفون للتطبيقات غير الضرورية
- في هواتف أندرويد:
- انتقل إلى الإعدادات > التطبيقات > إدارة الأذونات.
- اختر الميكروفون، ثم قم بتعطيله للتطبيقات التي لا تحتاج إليه.
- في هواتف iPhone:
- انتقل إلى الإعدادات > الخصوصية > الميكروفون.
- قم بإيقاف تشغيل الأذونات للتطبيقات غير الضرورية.
2. تقييد أذونات الوصول إلى الموقع الجغرافي
- استخدم خيار “السماح فقط أثناء الاستخدام” بدلاً من “السماح دائمًا” لتقليل مشاركة موقعك.
- قم بتعطيل خدمات الموقع في التطبيقات التي لا تحتاجها.
3. تعطيل تتبع الإعلانات المخصصة
- في هواتف أندرويد:
- انتقل إلى الإعدادات > جوجل > الإعلانات.
- قم بتفعيل خيار إيقاف تخصيص الإعلانات.
- في هواتف iPhone:
- انتقل إلى الإعدادات > الخصوصية > الإعلانات.
- فعّل خيار الحد من تتبع الإعلانات.
4. استخدام إضافات حظر التتبع
- قم بتثبيت إضافات مثل Privacy Badger أو uBlock Origin على متصفحك لمنع تتبع نشاطك على الإنترنت.
- استخدم متصفحات تحمي الخصوصية مثل Brave أو Firefox Focus.
5. حذف بيانات البحث وسجل التصفح بانتظام
- امسح ملفات تعريف الارتباط (Cookies) وسجل البحث لمنع تخزين معلوماتك لفترات طويلة.
ماذا يقول الخبراء؟
وفقًا للباحثين الأمنيين، فإن التطبيقات لا تحتاج للاستماع إلى محادثاتك حرفيًا لجمع بيانات كافية عنك. بدلاً من ذلك، تستخدم خوارزميات متطورة تحلل نشاطك الرقمي بشكل دقيق، مما يجعل الإعلانات المستهدفة تبدو وكأنها “تقرأ أفكارك”.
كما تؤكد الدراسات أن 90% من التطبيقات تجمع البيانات من خلال تتبع سلوك المستخدمين، بدلاً من تسجيل الصوت. ومع ذلك، فإن وجود ثغرات أمنية أو تطبيقات خبيثة يمكن أن يجعل بعض الأجهزة عرضة للتجسس الحقيقي.
على الرغم من عدم وجود دليل قاطع يثبت أن التطبيقات الشائعة تستمع إلى محادثاتنا عبر الميكروفون، فإن الإعلانات المستهدفة تعتمد على استراتيجيات متطورة لتحليل البيانات تجعلها دقيقة بشكل مثير للدهشة. لذا، من الضروري أن يكون المستخدمون واعين بآليات جمع البيانات واتخاذ التدابير اللازمة لحماية خصوصيتهم، مثل تعطيل الأذونات غير الضرورية، التحكم في تتبع الإعلانات، واستخدام أدوات حماية البيانات.