الشبكات الأمنية الحكومية: عصب المراقبة المعاصرة
الحكومات لم تعد تعتمد فقط على رجال الشرطة أو الدوريات. اليوم تعتمد على شبكات واسعة من الكاميرات الذكية التي تراقب الشوارع ليلًا ونهارًا. هذه الكاميرات تلتقط ملامحنا وتحوّلها إلى بصمات رقمية فريدة.
مراكز التحكم الأمنية تتلقى صورًا حية باستمرار. تحلل هذه الصور عبر خوارزميات متقدمة للتعرف على الوجوه. تقارن الخوارزميات الوجوه ببيانات من جوازات السفر ورخص القيادة وحتى الصور على الإنترنت. هكذا تستطيع السلطات التعرف على أي شخص يمر من أمام عدساتها.
في الصين، يستخدمون هذه الشبكات لمراقبة سلوك المواطنين وإدارتهم ضمن نظام النقاط الاجتماعية. في بريطانيا والولايات المتحدة، يركزون أكثر على تتبع المشتبه بهم ومنع الجرائم. دول كثيرة بدأت توقّع عقودًا مع شركات الذكاء الاصطناعي لتطبيق هذه الأنظمة.
الحكومات تصف هذه الشبكات بأنها أدوات تحمي المواطنين من الجرائم والمخاطر. لكن هذه الأدوات تمنح السلطات قدرة هائلة على رصد تفاصيل حياتنا اليومية دون علمنا.
هل نحن أمام نهاية الخصوصية؟
وجه الإنسان كان طوال التاريخ ملكًا لصاحبه وحده. اليوم صار الوجه يشبه بطاقة مفتوحة يقرأها الذكاء الاصطناعي في أي مكان عام. أي كاميرا ذكية تستطيع تسجيل ملامحك وربطها بملفاتك الرقمية في ثوانٍ.
هذا يعني أن خصوصيتنا أصبحت هشة. كثير من الناس لا يعرفون أن بياناتهم تُسجل وتُحفظ وربما تُشارك. أخطر من ذلك أن بعض الخوارزميات تخطئ في التعرف على الأشخاص، خاصة مع اختلاف ألوان البشرة أو الملامح. هذه الأخطاء قد تؤدي لاتهام أبرياء.
المشكلة لا تتوقف عند الأمن. شركات التأمين مثلًا قد تستخدم هذه البيانات لتقييم المخاطر. المسوقون قد يشترون المعلومات لتوجيه إعلانات موجهة. ماذا لو استعملت جهات سياسية هذه الأنظمة لملاحقة معارضين؟
في كثير من البلدان لا توجد قوانين واضحة تنظم هذا المجال. المواطن لا يعرف إلى متى ستبقى بياناته محفوظة. لا يعرف إن كانت ستُباع أو ستظل حكرًا على الجهات الأمنية. كثير من التشريعات متأخرة عن سرعة هذه التقنية.
الشارع ليس حقل تجارب
نحن بحاجة للأمن. نريد أن نعيش في مدن آمنة، لكننا في المقابل نريد أن نشعر بأننا أحرار. لا ينبغي للشارع أن يصبح ساحة تجارب ضخمة تراقب فيها الكاميرات كل حركة وتخزنها إلى الأبد.
الحل ليس في حظر التكنولوجيا. الحل في وضع قوانين صارمة تحمي حقوقنا. يجب أن نعرف متى تُلتقط بياناتنا، وكيف تُستخدم، ومن يستطيع الوصول إليها. نحتاج إلى هيئات مستقلة تراقب هذا الاستخدام وتمنع الانتهاكات.
إذا تركنا الأمور دون ضوابط، ستتحول مدننا إلى نسخ حية من روايات الخيال العلمي المظلمة. الحرية والخصوصية ليست رفاهية، بل هي أساس الثقة بين المواطن والدولة.