أحدثت التقنيات المساعدة ثورة في حياة ملايين الأشخاص حول العالم، إذ منحت ذوي الإعاقات الجسدية أو الحسية قدرة غير مسبوقة على التفاعل مع بيئاتهم.
من الأطراف الصناعية الذكية إلى برامج قراءة الشاشة وأجهزة التحكم الصوتي، أصبحت التكنولوجيا الجسر الأساسي نحو إمكانية الوصول الشامل.
لكن هذا الجسر الرقمي يحمل في طياته مخاطر جديدة.
فعندما تكون الأدوات التي يعتمد عليها الأفراد في حياتهم اليومية متصلة بالإنترنت أو بأنظمة رقمية مركزية، فإنها تصبح عرضة لهجمات يمكن أن تمس سلامتهم وكرامتهم في آن واحد.
ماهية التقنيات المساعدة
تشمل التقنيات المساعدة مجموعة واسعة من الأجهزة والبرمجيات التي تعزز استقلالية الأفراد ذوي الإعاقات، منها:
- الأطراف الصناعية المتصلة التي يمكن برمجتها أو التحكم بها لاسلكياً.
- الأجهزة المزروعة طبياً مثل مضخات الأنسولين أو أجهزة السمع الذكية.
- برمجيات تحويل النص إلى كلام وواجهات الأوامر الصوتية.
- تطبيقات التنقل الذكي وأجهزة المراقبة الصحية القابلة للارتداء.
هذه الأدوات تعتمد بشكل متزايد على الاتصال السحابي وتبادل البيانات مع مزودي الخدمة، مما يضعها ضمن منظومة إنترنت الأشياء الطبية (IoMT).
التكنولوجيا المساعدة كهدف للهجمات
لم تعد الهجمات السيبرانية تستهدف فقط الحواسيب أو الهواتف، بل كل جهاز ذكي متصل بالشبكة.
وفي حالة التقنيات المساعدة، يصبح الأثر أكثر حساسية لأنها مرتبطة مباشرة بوظائف بشرية أساسية.
أمثلة على المخاطر المحتملة:
- اختراق الأطراف الصناعية الذكية أو الكراسي الكهربائية عبر البلوتوث أو الواي فاي.
- التلاعب بإعدادات الأجهزة الطبية المزروعة مثل منظمات ضربات القلب أو مضخات الدواء.
- اعتراض بيانات حساسة من تطبيقات التواصل الخاصة بذوي الإعاقات السمعية أو النطقية.
- استغلال الثغرات في تطبيقات الملاحة للمكفوفين لتضليل المستخدمين أو تعقبهم.
في بعض السيناريوهات القصوى، يمكن أن تؤدي هذه الهجمات إلى ضرر جسدي مباشر، ما يجعل الأمن السيبراني في هذا المجال قضية حياة لا مجرد مسألة خصوصية.
البنية التقنية والتحدي الأمني
غالباً ما تُطور التقنيات المساعدة من قبل شركات صغيرة أو مختبرات بحثية تركّز على الأداء والوظيفة، لا على الحماية.
ونتيجة لذلك، تفتقر الكثير من هذه الأجهزة إلى طبقات أمنية أساسية مثل التشفير أو التحديث التلقائي.
تشمل أبرز نقاط الضعف التقنية:
- بروتوكولات اتصال مفتوحة دون تحقق قوي من الهوية.
- كلمات مرور افتراضية غير معدلة من قبل المستخدمين.
- الاعتماد على تطبيقات خارجية دون رقابة أمنية كافية.
- ضعف إجراءات المصادقة بين الأجهزة والسيرفرات السحابية.
تتفاقم المشكلة لأن بعض المستخدمين لا يستطيعون تحديث أنظمتهم أو تغيير الإعدادات بسهولة بسبب القيود الجسدية أو التقنية.
البعد الأخلاقي والحقوقي
عندما تُخترق الأجهزة المساعدة، لا يُنتهك فقط أمن البيانات، بل يُمسّ الحق في الاستقلال الجسدي والكرامة الإنسانية.
فالأشخاص ذوو الإعاقة يعتمدون على هذه الأدوات لأداء أنشطة أساسية، وأي خلل فيها قد يعطل حياتهم أو يعرضهم للخطر.
هذا يثير أسئلة قانونية وأخلاقية حول مسؤولية الشركات المصنعة ومزودي الخدمة:
- من يتحمل تبعات الاختراق؟
- هل يُعد الفشل الأمني إهمالاً تقنياً أم انتهاكاً لحقوق الإنسان الرقمية؟
- كيف يمكن للمشرّعين ضمان أن تكون التقنيات المساعدة آمنة منذ التصميم؟
ينبغي إدراج الأمن السيبراني كجزء من معايير الجودة والاعتماد لأي جهاز أو برنامج مخصص لذوي الإعاقة، تماماً كما تُختبر سلامته الفيزيائية أو الطبية.
استراتيجيات الحماية الممكنة
لتحقيق توازن بين إمكانية الوصول والأمان، يجب اعتماد نهج شامل يدمج المستخدمين والمطورين وصانعي السياسات.
ومن أبرز الاستراتيجيات:
1. الأمان منذ التصميم (Security by Design):
دمج ضوابط التشفير والمصادقة في مراحل التطوير الأولى بدلاً من إضافتها لاحقاً.
2. التحديثات المستمرة:
ضمان وصول المستخدمين إلى ترقيات آمنة وسهلة التطبيق، مع دعم فني مخصص لذوي الإعاقة التقنية.
3. الحد من البيانات المتبادلة:
تصميم الأنظمة بحيث تجمع أقل قدر ممكن من المعلومات الشخصية أو الصحية.
4. المصادقة البيومترية أو الصوتية الآمنة:
توفير طرق تحقق ملائمة وآمنة دون تعقيد المستخدمين في الوصول إلى أجهزتهم.
5. التوعية الرقمية الموجهة:
إطلاق برامج تدريبية مبسطة للمستخدمين تشرح أساسيات الحماية دون استخدام لغة تقنية معقدة.
دور السياسات العامة
يجب أن تتبنى الحكومات والأطر التنظيمية سياسات واضحة لحماية مستخدمي التقنيات المساعدة، تشمل:
- إدراج معايير الأمن ضمن تراخيص الأجهزة الطبية والذكية.
- فرض التزام الشركات بتقارير أمان دورية ومراجعة الشيفرات البرمجية.
- تشجيع البحث الأكاديمي في مجال أمن الأجهزة المساعدة.
- إنشاء قنوات إبلاغ سهلة عن الثغرات للمستخدمين والمطورين.
كما أن إشراك مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة ضروري لضمان أن لا تتحول حماية الأمن السيبراني إلى عائق أمام الوصول أو الاستخدام اليومي.
التوازن بين الأمان وإمكانية الوصول
غالباً ما تُطرح معادلة “الأمان مقابل السهولة” في تصميم الأنظمة الرقمية، لكنها تأخذ بُعداً أكثر حساسية في التقنيات المساعدة.
فأي تعقيد إضافي في إجراءات الدخول أو التحديث قد يجعل الجهاز غير قابل للاستخدام لبعض الفئات.
الحل يكمن في اعتماد تصميم شامل آمن (Inclusive Secure Design)، يقوم على تجربة المستخدمين الفعلية، لا على الافتراضات التقنية فقط.
بذلك يمكن توفير حماية فعالة دون المساس بحرية الاستعمال أو سرعة الاستجابة.
لابد من التذكّر
أن الأمن السيبراني في التقنيات المساعدة ليس ترفاً تقنياً، بل امتداد لحق الإنسان في الأمان والكرامة.
فالأداة التي تمنح القدرة على الحركة أو التواصل يمكن أن تصبح نقطة ضعف إن لم تُصمم بحس أمني وإنساني في آن واحد.
التحول الرقمي الشامل لا يُقاس بعدد الأجهزة الذكية، بل بمدى أمانها لمن يعتمدون عليها أكثر من أي أحد آخر.




