تقنية ترافقك حرفيًا خطوة بخطوة
الساعات الذكية لم تعد رفاهية مقتصرة على الرياضيين أو محبي التكنولوجيا. أصبحت هذه الأجهزة شائعة في حياة الناس اليومية، فهي تقيس الخطوات، نبض القلب، جودة النوم، بل وحتى مستويات التوتر. بعضها يرسل تنبيهات لأخذ أدوية أو شرب الماء.
ما يجعلها مميزة حقًا هو اقترانها المستمر بهاتفك الذكي. هذا الترابط يسمح لها بجمع المزيد من البيانات وتحليلها بطرق متقدمة، مثل تتبع أنماط تنقلك اليومية وتحديد مواقعك الجغرافية الدقيقة.
لكن هذه القدرة على المراقبة الدقيقة، التي صممت في الأصل لتعزيز الصحة والراحة، تفتح الباب أمام تهديدات خصوصية حقيقية. أي تسريب أو اختراق لهذه المعلومات قد يحوّل ساعة معصمك إلى جهاز تجسس دائم.
ماذا تعرف ساعتك الذكية عنك بالفعل؟
الساعات الذكية تعمل باستخدام مجموعة من المستشعرات التي تسجل بيانات لا تقل حساسية عن السجلات الطبية. هي تعرف مثلًا:
- معدل ضربات قلبك على مدار اليوم، وحتى أثناء النوم.
- أوقات استيقاظك ونومك الدقيقة.
- حركتك في البيت والعمل والشوارع، عبر GPS مدمج أو مستشعرات الحركة.
- مستويات النشاط البدني التي تعكس نمط حياتك وصحتك العامة.
الأخطر أن بعض الطرازات مزودة بميكروفونات تتيح الرد على المكالمات الصوتية أو حتى المساعدات الصوتية مثل Google Assistant وSiri. هذا يعني إمكانية تشغيل الميكروفون في الخلفية — سواء عن قصد أو بسبب اختراق برمجي — لتسجيل محادثاتك الخاصة.
كما تحتفظ التطبيقات المتصلة بالساعات الذكية بسجلات طويلة الأمد لهذه البيانات. شركات كثيرة تستخدم هذه المعلومات لتحسين خدماتها أو بيعها لمعلنين وشركات تأمين، دون أن يشعر المستخدم بما يجري.
ثغرات تقنية أقل وضوحًا لكنها أخطر
جزء من مشكلة الساعات الذكية يكمن في أنها صغيرة جدًا وتعمل بأنظمة تشغيل مصغرة، غالبًا ما لا تحصل على نفس مستوى الحماية والتحديث الأمني المستمر مثل الهواتف والحواسيب. هذا يجعلها هدفًا مغريًا للهاكرز.
الباحثون الأمنيون كشفوا بالفعل عن طرق لاستغلال الثغرات في نظام البلوتوث الذي يربط الساعة بالهاتف. بهذه الطريقة يمكن لمهاجم قريب اعتراض البيانات أثناء انتقالها بين ساعتك وهاتفك.
حتى التطبيقات التي تبدو بريئة قد تطلب صلاحيات غير منطقية. مثلًا لعبة بسيطة على ساعتك قد تطلب الوصول إلى الميكروفون أو بيانات الموقع، لتتحول لاحقًا إلى أداة لجمع المعلومات.
الأمر لا يتوقف عند المتسللين الأفراد. بعض الحكومات وأجهزة المخابرات تستثمر في تطوير برمجيات قادرة على استهداف الأجهزة القابلة للارتداء، للحصول على معلومات دقيقة قد لا يستطيعون جمعها بوسائل أخرى.
ليست فقط مشكلة تجسس… بل باب للتلاعب الصحي والاقتصادي
قد يقول قائل: «حسنًا، وماذا لو عرفوا متى أركض أو أكلت شوكولا؟» الحقيقة أن هذا النوع من البيانات يمكن أن يُستخدم ضدك بطرق غير مباشرة.
شركات التأمين الصحي بدأت بالفعل في بعض البلدان بربط أقساط التأمين بالبيانات الصحية الحية. إذا أظهرت ساعتك أنك لا تمارس ما يكفي من الرياضة، قد تُجبر على دفع أقساط أعلى.
المسوقون كذلك يجدون في بياناتك منجمًا لا ينضب. إذا لاحظت ساعتك ازدياد معدل نبضك عند المرور أمام محلات معينة أو مشاهدة إعلانات لمنتجات معينة، قد تصبح هدفًا لحملات تسويقية موجهة بدقة مخيفة.
كيف تحمي خصوصيتك من معصمك؟
لا يعني ذلك أنك مضطر للتخلي تمامًا عن الساعات الذكية. لكنها تحتاج إلى وعي وانتباه. إليك خطوات أساسية لتقليل المخاطر:
- اطلع على أذونات التطبيقات التي تتصل بساعتك. لا تمنح الميكروفون أو الموقع إلا للتطبيقات التي تثق بها فعلاً.
- حدّث نظام الساعة وبرامجها دائمًا. هذه التحديثات غالبًا ما تعالج ثغرات أمنية خطيرة.
- فعّل المصادقة الثنائية في حساباتك المرتبطة بالساعات الذكية، لتقليل خطر الوصول غير المصرح به.
- استخدم كلمات مرور قوية وفريدة لحسابات الخدمات الصحية أو اللياقة المرتبطة.
- راقب إعدادات النسخ الاحتياطي والتخزين السحابي. لا تحتاج كل بياناتك البيومترية أن تُرسل للخوادم السحابية.
- والأهم: اقرأ سياسات الخصوصية. قد تكتشف أن الشركة تحتفظ ببياناتك حتى بعد حذفك للتطبيق!
الجانب الأخلاقي الأوسع: أين الخط الأحمر؟
مشكلة الساعات الذكية (وأجهزة إنترنت الأشياء عامة) أنها تجعل المراقبة جزءًا من حياتنا دون أن نلاحظ. عندما تصبح مراقبة ضربات قلبك وموقعك وأنماط نومك أمرًا عاديًا، يعتاد الإنسان التنازل التدريجي عن خصوصيته.
هذا التنازل لا يظل في دائرة الأجهزة الصحية فقط. كلما زادت قاعدة البيانات عنك، صار من السهل رسم صورة شاملة عن شخصيتك، اهتماماتك، وحتى نقاط ضعفك. في يد شركات بلا ضمير أو حكومات سلطوية، هذه الصورة قد تتحول إلى وسيلة للضغط أو الابتزاز أو الاستغلال الاقتصادي والسياسي.
راقب ساعتك قبل أن تراقبك
التكنولوجيا تقدم لنا إمكانات رائعة. ساعة صغيرة على المعصم قد تنقذ حياتك يومًا ما إذا اكتشفت مشكلة في قلبك مبكرًا. لكنها في الوقت ذاته قد تفتح بابًا واسعًا للتجسس على أكثر تفاصيلك حميمية.
الوعي هو خط الدفاع الأول. أن تعرف ما الذي يجمع عنك، ومن يجمعه، ولأي غرض، يجعلك أكثر قدرة على التحكم بمستقبلك الرقمي وصحتك النفسية. اختر ساعتك الذكية بعناية، واضبط إعداداتها بوعي، ولا تمنحها أسرارك دون مقابل.