تُعد الهواتف الذكية اليوم بوابة رقمية شاملة إلى حياة المستخدم. في السياقات القمعية، تتحول هذه الأجهزة إلى أدوات مراقبة فعّالة في أيدي الأنظمة، خاصة عند مصادرتها من نشطاء أو معتقلين سياسيين. بينما يُفترض أن تكون أدوات للاتصال والتوثيق، تستغلها السلطات أحيانًا لمراقبة أفراد وشبكات بأكملها.
نتيجة لذلك، تظهر الحاجة الملحة إلى فهم كيف يتم هذا الاستغلال، وما الوسائل التي يمكن اعتمادها لتقليل مخاطره.
لماذا تستهدف الأنظمة الهواتف المصادَرة؟
توفر الهواتف الذكية وصولًا مباشرًا إلى:
- الرسائل النصية والمشفّرة
- بيانات الموقع الجغرافي
- الصور والمستندات
- جهات الاتصال
- حسابات التواصل والبريد الإلكتروني
عندما تسيطر جهة أمنية على هاتف، يمكنها الوصول إلى خريطة رقمية كاملة تتضمن معلومات شخصية وعلاقات اجتماعية وسلوكًا رقميًا دقيقًا. في كثير من الحالات، لا يحتاجون إلى اختراق متقدم، بل فقط إلى جهاز مصادَر ومفتوح أو ضعيف الحماية.
كيف تنفّذ السلطات هذا النوع من المراقبة؟
1. استخراج البيانات
تبدأ العملية عادةً بمحاولة الوصول إلى محتوى الهاتف. تستخدم السلطات أدوات مثل Cellebrite لفك القفل واستخراج كل الملفات والمراسلات. عندما يكون الجهاز غير مشفّر أو محمي بكلمة مرور ضعيفة، تتم العملية خلال دقائق.
2. تحليل الشبكة الاجتماعية
بعد الحصول على البيانات، تبدأ مرحلة التحليل. تفحص الجهات المختصة جهات الاتصال، والمكالمات، وتفاعلات وسائل التواصل. تهدف هذه الخطوة إلى رسم خريطة للعلاقات وربط الأسماء بنشاط سياسي أو مدني.
3. تثبيت برمجيات مراقبة
في حالات عديدة، تُعيد السلطات الجهاز لصاحبه بعد تثبيت تطبيقات مراقبة. تعمل هذه البرمجيات في الخلفية، وتجمع البيانات باستمرار، مثل الموقع الجغرافي، أو الرسائل، أو حتى الصوت من الميكروفون.
4. استخدام الحسابات لاختراق المحيط
عبر التطبيقات المفتوحة، ترسل الجهات رسائل انتحال أو تصيّد إلى المعارف. تبدو الرسائل وكأنها من الشخص المعتقل، لكنها تهدف لاختراق هواتف أخرى أو كشف هويات جديدة.
أمثلة من الواقع
رصدت منظمات مثل Access Now وCitizen Lab عشرات الحالات التي استخدمت فيها السلطات هذه الأساليب. في إحدى الدول، اعتقلت الأجهزة الأمنية ناشطًا بيئيًا، ثم استخدمت هاتفه لإرسال روابط مزيفة إلى زملائه، ما أدى إلى اختراق ثلاثة أجهزة إضافية.
في حالة أخرى، أعادت السلطات هاتفًا إلى صاحبه بعد خروجه من التوقيف، لكنه لاحظ أن بطاريته تُستهلك بسرعة غريبة. بعد الفحص، اكتشف وجود تطبيق مراقبة مخفي ينقل بياناته في الخلفية.
الآثار النفسية والاجتماعية
لا تتوقف الأضرار عند الجانب التقني، بل تمتد لتشمل:
- زعزعة الثقة داخل المجموعات المدنية
- تراجع التواصل الرقمي خوفًا من التتبع
- حالة توتر مستمر تشبه الرقابة الذاتية
- تحوّل الهاتف من وسيلة تمكين إلى مصدر تهديد
عندما يشعر الناشط أو الصحفي أن جهازه قد يتحول إلى عين للسلطة، تتغيّر طريقة استخدامه للتكنولوجيا، وتضعف فعالية حركته في الفضاء العام.
كيف يمكن تقليل المخاطر؟
رغم التحديات، توجد خطوات فعالة تساهم في الحماية:
تفعيل التشفير الكامل
توفّر أنظمة التشغيل الحديثة خيار تشفير كامل للبيانات. عند تفعيله، يصعب استخراج المعلومات حتى مع وجود أدوات متقدمة.
اختيار رموز مرور قوية
ينبغي استخدام كلمات مرور طويلة، تتضمن حروفًا وأرقامًا ورموزًا، وتجنب الأنماط البسيطة أو الأرقام المتكررة.
تمكين خاصية المسح عن بُعد
عند ربط الهاتف بحسابك على Google أو Apple، يمكنك تفعيل خيار المسح الكامل للجهاز عند ضياعه أو مصادرته.
تقليل تخزين البيانات الحساسة
من الأفضل حذف الرسائل القديمة، وعدم الاحتفاظ بمحتوى حساس على الهاتف، أو استخدام تطبيقات تخزين مشفّرة خارجية.
إخطار المحيط فورًا
إذا فُقد الجهاز أو صودر، يجب تحذير الأشخاص المرتبطين به بعدم الوثوق بأي رسائل أو محتوى وارد منه، حتى التأكد من سلامته.
الحماية مسؤولية جماعية
في السياقات القمعية، لا تكفي الحماية الفردية. بل يصبح من الضروري بناء ثقافة رقمية جماعية تعتمد على:
- تدريب الأفراد على الأمن الرقمي
- مشاركة الأدوات والموارد الآمنة
- تنسيق الردود على محاولات الاختراق
- التوثيق الجماعي للانتهاكات الرقمية
عندما يفهم كل فرد في الشبكة خطورة الجهاز المصادَر، تتحوّل الشبكة إلى منظومة حماية متكاملة.
تمثل الهواتف الذكية خطرًا مزدوجًا في أيدي الأنظمة القمعية، لأنها تُستخدم كسلاح رقمي صامت. لكنها في الوقت ذاته، يمكن أن تظل وسيلة مقاومة فعالة، إذا عرف المستخدمون كيف يحصّنونها. من خلال الجمع بين التقنية والوعي، نستعيد السيطرة على بياناتنا، ونحمي شبكاتنا، ونواصل بناء مساحات آمنة للمجتمع المدني في وجه المراقبة الرقمية.