الإرهاق الرقمي لدى النشطاء: عندما يصبح الأمن الرقمي عبئًا نفسيًا

الإرهاق الرقمي لدى النشطاء: عندما يصبح الأمن الرقمي عبئًا نفسيًا

الإرهاق الرقمي لدى النشطاء: عندما يصبح الأمن الرقمي عبئًا نفسيًا

يواجه النشطاء الرقميون ضغوطًا نفسية متزايدة نتيجة التهديدات السيبرانية المستمرة. يؤدي التعامل الدائم مع أدوات الحماية، واليقظة المفرطة تجاه المخاطر، إلى نوع خاص من الإرهاق النفسي يُعرف بالإرهاق الرقمي. تستعرض هذه المقالة الأسباب النفسية والسياقية لهذه الظاهرة، وتقدم اقتراحات للتعامل معها دون التفريط بالأمان أو الصحة العقلية.

مع توسع دور الإنترنت في الحركات الحقوقية، أصبحت البيئة الرقمية أداة أساسية للنشطاء. لكنها، في المقابل، صارت ساحة حرب مليئة بالتهديدات. يتطلب الدفاع عن النفس الرقمية وخصوصية الآخرين يقظة دائمة، واستخدام أدوات معقدة، واتخاذ قرارات أمنية متكررة.

ومع مرور الوقت، يتحول هذا العبء إلى ضغط نفسي قد يُفقد الناشط توازنه، أو يدفعه إلى الانسحاب. هنا، نطرح سؤالًا مهمًا: كيف نحمي أنفسنا رقميًا، دون أن ننهار نفسيًا؟

ما هو الإرهاق الرقمي؟

الإرهاق الرقمي لا يعني فقط التوتر الناتج عن العمل الطويل على الأجهزة. بل هو شعور مستمر بالخوف، والقلق، والإنهاك الذهني الناتج عن التفاعل الدائم مع تهديدات غير مرئية. يشعر الناشط بأنه مراقب دائمًا، وأن أي خطأ بسيط قد يؤدي إلى خرق أمني يطال بياناته أو مصادره.

تتعمق هذه الحالة عندما يشعر الشخص بأنه المسؤول الوحيد عن حماية نفسه وفريقه، ما يجعله في حالة طوارئ مستمرة.

العوامل التي تؤدي إلى الإرهاق الرقمي

1. الخوف الدائم من الاستهداف:
النشطاء الذين يعملون في بيئات قمعية يعيشون في ظل تهديد دائم. الخطر ليس فقط تقنيًا، بل قد يكون قانونيًا أو جسديًا.

2. تعقيد الأدوات الأمنية:
استخدام طبقات متعددة من الحماية يتطلب وقتًا وجهدًا ذهنيًا مستمرًا. هذا التكرار مرهق نفسيًا على المدى الطويل.

3. الشعور بالعزلة الرقمية:
بعض النشطاء يبتعدون عن الحياة الرقمية العامة خوفًا من كشف هوياتهم. هذا العزل قد يؤدي إلى التوتر، والاكتئاب، والشعور بالوحدة.

4. الإحساس بالمسؤولية عن الآخرين:
عندما يخطئ أحد أفراد الفريق، يشعر الناشط بأنه المسؤول عن الثغرة. تتضاعف الضغوط في الحملات التي تشمل مصادر معرضة للخطر.

علامات الإرهاق النفسي المرتبط بالأمن الرقمي

  • فقدان الرغبة في استخدام أدوات الحماية
  • الإحساس بالذنب بعد كل خرق أمني
  • الانسحاب من النقاشات أو الاجتماعات
  • اضطراب النوم بسبب التفكير المستمر في التهديدات
  • اتخاذ قرارات متسرعة أو تجاهل التحذيرات الأمنية

بعض النشطاء لا يدركون أن هذه الأعراض مرتبطة بجهودهم المستمرة في الحماية الرقمية. وغالبًا ما يُفسرونها على أنها ضعف شخصي أو تراجع في الحافز.

كيف يؤثر الإرهاق الرقمي على العمل الحقوقي؟

الناشط المرهق نفسيًا أقل قدرة على اتخاذ قرارات أمنية سليمة. وقد يُهمل خطوات أساسية بدافع التعب أو عدم التركيز. كما أن الإرهاق قد يدفع البعض إلى التوقف عن النشر أو إدارة الحملات، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على استمرارية العمل الحقوقي.

من جانب آخر، يمكن أن يؤثر الإرهاق على العلاقات داخل الفريق. تتزايد التوترات بسبب سوء الفهم، أو تحميل المسؤولية، أو عدم التقدير الكافي للجهد المبذول.

كيف نقلل من هذا الإرهاق دون تعريض أنفسنا للخطر؟

1. تبسيط أدوات الأمان:
اختر أدوات سهلة الاستخدام، وتجنب التعقيد غير الضروري. ليست كل التطبيقات آمنة، ولكن ليست كلها معقدة أيضًا.

2. توزيع المهام الأمنية داخل الفريق:
بدلًا من أن يتحمل شخص واحد العبء كله، يمكن مشاركة المسؤوليات بين الأعضاء. يخفف ذلك الضغط ويزيد من الكفاءة.

3. تنظيم أوقات الراحة الرقمية:
الابتعاد عن الشاشات ليس ضعفًا. بل هو استعادة للطاقة وتركيز للذهن. خصص فترات راحة متكررة، ولو كانت قصيرة.

4. التحدث عن الإرهاق دون خجل:
ينبغي خلق ثقافة داخل الفرق تسمح بمشاركة المشاعر والضغوط. الحديث عن التوتر أو القلق لا يعني التقليل من شأن المهمة.

5. طلب الدعم النفسي عند الحاجة:
الدعم النفسي المتخصص يساعد في التخفيف من التوتر المستمر. توجد مبادرات تقدم استشارات مجانية للنشطاء في البيئات الخطرة.

نحو توازن بين الأمان والسلامة النفسية

الأمن الرقمي ضروري. لكن لا يجب أن يكون على حساب العقل والجسد. التوازن هو الهدف، ويبدأ بالاعتراف بأن الإرهاق الرقمي ليس عيبًا، بل مؤشرًا على أهمية العمل الذي نقوم به.

عندما نهتم بأنفسنا، نحمي أيضًا من حولنا. لأن الصحة النفسية الجيدة تُترجم إلى أداء مستقر، وردود فعل مدروسة، ومجتمعات رقمية أكثر أمانًا.

الإرهاق الرقمي ليس خطرًا تقنيًا، بل خطر نفسي متصاعد في حياة آلاف النشطاء حول العالم. وللتعامل معه، نحتاج إلى أدوات تقنية ذكية، ولكن أيضًا إلى تعاطف، وتنظيم، وفهم عميق للجانب الإنساني في المعركة الرقمية. فالناشط القوي هو من يعرف متى يتوقف، ومتى يعود، وكيف يستمر دون أن يحترق

شارك