تقنية بوجه إنساني: كيف تعمل أجهزة إنقاذ المسنين؟
لطالما سعى الطب والرعاية الاجتماعية إلى تحسين جودة حياة كبار السن، لا سيما أولئك الذين يعيشون بمفردهم أو يعانون أمراضًا مزمنة تعرضهم لحالات حرجة مفاجئة. هنا ظهرت أنظمة الرعاية الذكية كحل مدهش يجمع بين التكنولوجيا والاهتمام الإنساني.
أشهر هذه الأنظمة هي أساور الطوارئ (emergency bracelets) التي يضعها المسن على معصمه. تتضمن مستشعرات لقياس معدل نبضات القلب، أحيانًا ضغط الدم، ومستشعرات تسارع لرصد السقوط. عندما ترصد الأساور تغيرًا مفاجئًا — كهبوط ضغط الدم أو سقوط حاد — ترسل إشارة مباشرة لمركز طوارئ أو لأحد أفراد العائلة.
البعض مزود بأزرار طوارئ يضغطها المسن إذا شعر بالخطر ليطلب المساعدة فورًا. هناك أيضًا نظم متطورة مرتبطة بـGPS تعرض موقع المسن لحظة بلحظة لتسهيل الوصول إليه عند الحاجة.
هذه المنظومة أنقذت ولا تزال تنقذ حياة آلاف كبار السن، إذ تختصر الوقت بين وقوع المشكلة ووصول المسعفين. لكن خلف هذا الإنجاز تكمن مشكلات أكبر مما نتصور.
ما حجم البيانات التي تجمعها هذه الأجهزة؟
الأجهزة الذكية للرعاية الصحية لا تكتفي بقياس نبضك أو ضغطك. معظمها يبني قاعدة بيانات مستمرة عن حالتك الصحية وأنماط حياتك اليومية. بعض الأمثلة تشمل:
- تسجيل متواصل لمعدل ضربات القلب ومعدل التنفس.
- حساب ساعات النوم واليقظة والأنشطة البدنية.
- رصد الموقع الجغرافي بدقة طوال اليوم.
- إرسال تنبيهات دورية إلى مراكز مراقبة أو منصات سحابية.
هذا يعني أنك — أو المسن الذي يرتدي الجهاز — يعيش في ظل مراقبة صحية دائمة. في سياق الطوارئ هذا رائع، لكنه من منظور الخصوصية يمثل مجلدًا طبيًا ومكانيًا يوميًا مفتوحًا لأي جهة يمكنها الوصول للبيانات.
من يطلع على هذه البيانات… وهل نثق به؟
الشركات المصنّعة عادة ما تحتفظ بالبيانات الصحية والموقعية في خوادمها أو ترسلها إلى طرف ثالث لإدارة الخدمة. كثيرًا ما يُذكر في سياسة الخصوصية أن البيانات قد تُشارك مع «شركاء موثوقين» لتحسين الخدمة أو لأغراض تسويقية.
في بعض الحالات، تباع البيانات الصحية مجهولة الهوية لشركات التأمين والدعاية الصحية. لكن فكرة «الهوية المجهولة» مضللة في عالم البيانات الضخم، إذ يستطيع محللو البيانات الجمع بين معلومات بسيطة من مصادر مختلفة لاستنتاج هوية المستخدم.
الأكثر إثارة للقلق أن بعض هذه الشركات قد تخزن البيانات في دول لا تمتلك قوانين خصوصية صارمة، مما يفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة أو تسريبات ضخمة.
ماذا لو تعرضت الأجهزة للاختراق؟
الثغرات الأمنية ليست نظرية. في السنوات الأخيرة كشفت أبحاث أمنية عديدة نقاط ضعف في أجهزة الصحة القابلة للارتداء. وجد الباحثون أن بعض الأساور لا تشفر البيانات عند إرسالها عبر البلوتوث أو الشبكات اللاسلكية. هذا يسمح لمهاجم قريب بالتقاط بيانات حساسة لحظة مرورها من الجهاز إلى التطبيق.
كما أن كلمات المرور الافتراضية للإدارة (admin passwords) غالبًا ما تظل دون تغيير، فيسهل على المخترقين الوصول إلى إعدادات الجهاز. بل الأخطر أنهم قد يعبثون بآلية التنبيه نفسها، فيمنعون إرسال نداء استغاثة في لحظة الخطر.
تخيل أن قراصنة بيانات حصلوا على سجل مفصل لموقع مسنّ يتجول بمفرده يوميًا، أو لحالته الصحية الدقيقة. هذا لا يمثل مجرد خطر رقمي، بل تهديدًا واقعيًا على أمنه وسلامته.
بين الفوائد الهائلة والمخاطر الحقيقية
لا أحد يستطيع إنكار القيمة الصحية والاجتماعية لهذه الأجهزة. بالنسبة لكثير من كبار السن، توفر أساور الطوارئ طمأنينة عظيمة لهم ولأسرهم. هي بمثابة حبل نجاة إذا تعرضوا لأزمة قلبية أو سقوط مفاجئ.
لكن المشهد لا يخلو من جوانب أخلاقية معقدة. هل يعي المسن تمامًا مقدار المعلومات التي تُجمع عنه؟ هل وافق فعلًا على أن موقعه وبيانات قلبه تُخزن وتُنقل لمراكز بيانات بعيدة؟
وهناك مستوى آخر من القلق: ماذا لو استُغلت هذه البيانات من قِبل جهات ضغط، كأن تعدل شركة تأمين صحي أقساط المسن لأنها ترى أن نشاطه ضعيف أو مؤشرات صحته منخفضة بناءً على تحليل البيانات القادمة من سواره؟
كيف نجعل الرعاية الذكية أقل خطورة على الخصوصية؟
الحل ليس في التخلّي عن هذه الأجهزة الثمينة. بل في تقنين استخدامها ووضع معايير صارمة تحمي خصوصية المستخدمين. بعض الخطوات تشمل:
- مطالبة الشركات بتشفير البيانات دومًا أثناء النقل والتخزين.
- منح المستخدم تحكمًا كاملًا في بياناته: أن يحدد ما يُجمع وما يُشارك ومع من.
- إصدار قوانين تلزم الشركات بحذف بيانات كبار السن بعد انتهاء الخدمة أو عند طلبهم.
- التأكد من أن بيانات الموقع لا تُخزن إلا لأغراض طوارئ مباشرة ثم تُمحى.
- مراجعة سياسات الخصوصية بانتظام وتبسيطها ليقرأها حتى المسنون بأنفسهم.
كرامة المسن أولًا وأخيرًا
في نهاية المطاف، أي تكنولوجيا للرعاية يجب أن توضع تحت عنوان واحد: كرامة الإنسان. لا جدوى من إنقاذ حياة مسن اليوم إذا كان سيدفع غدًا ثمنًا من خصوصيته، يُستغل في الدعاية أو في تسعير خدمات طبية على حسابه.
الحلول الذكية يجب أن تبقى «ذكية» بحق، تراعي القيم الأخلاقية وتحترم المسنين ليس فقط كأرقام في تقارير صحية، بل كبشر لهم حرمة وحق في إخفاء أسرارهم الصغيرة قبل الكبيرة.