تعتمد الحكومات الحديثة على البيانات المفتوحة كأداة لإشراك المواطنين وتعزيز الشفافية. تنشر المؤسسات الرسمية كميات ضخمة من المعلومات على منصات إلكترونية، تشمل تقارير الإنفاق، العقود العامة، والإحصاءات الاجتماعية. في المقابل، تزداد المخاوف من احتمالية تسريب معلومات يمكن استغلالها، خاصة إن لم تُحمَ بشكل جيد. لذلك، يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن تأمين هذه البيانات دون التراجع عن مبدأ الشفافية؟
تعريف البيانات الحكومية المفتوحة
تتضمن هذه البيانات أي معلومات توفرها الجهات الرسمية للعامة دون قيود قانونية، مثل:
- بيانات الميزانيات والإنفاق
- تقارير الأداء الحكومي
- المعلومات الجغرافية والخدمية
- بيانات التشريعات والسياسات العامة
- قواعد بيانات العقود والمشتريات
رغم أنها مصنفة “غير سرية”، إلا أن تحليلها بشكل عميق قد يكشف معلومات حساسة، خصوصًا عند جمع مصادر متعددة.
المخاطر المحتملة لنشر البيانات دون حماية
عند غياب التشفير أو سوء تصنيف المحتوى، قد يترتب على ذلك:
- كشف مواقع بنى تحتية حيوية
- تسهيل الهجمات السيبرانية عبر تحليل الأنظمة
- استغلال معلومات الموظفين الحكوميين
- ربط البيانات العامة بمصادر أخرى لاستخلاص معلومات حرجة
لهذا السبب، تحتاج البيانات المفتوحة إلى إدارة دقيقة، وليس فقط إلى النشر.
دور التشفير في تأمين الشفافية
التشفير لا يتناقض مع الشفافية، بل يضمن تطبيقها بأمان. على سبيل المثال:
- يمكن تشفير الحقول الحساسة ضمن مجموعات البيانات
- تُستخدم بروتوكولات مشفّرة لحماية عملية النقل من الخوادم إلى بوابات النشر
- يُطبّق التشفير لتأمين واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة (APIs)
- تتيح بعض الأنظمة تشفير النسخة الكاملة من الوثيقة، ثم نشر إصدار منقّح للعامة
عند استخدام هذه الأساليب، يمكن الحفاظ على مبدأ الإفصاح مع منع أي تسريب غير مقصود.
تصنيف البيانات: خطوة أساسية قبل النشر
تحتاج الجهات الحكومية إلى تصنيف بياناتها ضمن مستويات مثل:
- متاحة للجميع
- خاضعة لطلب رسمي
- داخلية للاستخدام الإداري
- سرية بالكامل
هذا التصنيف يمكّن من اتخاذ قرارات فنية دقيقة بخصوص نوع التشفير المناسب، أو الحاجة إلى التنقيح، أو الامتناع عن النشر بالكامل.
تطبيقات واقعية ناجحة
اعتمدت دول مثل إستونيا وكندا حلولًا تقنية متقدمة لدمج التشفير ضمن سياسات البيانات المفتوحة. طورت هذه الدول بوابات ذكية تقدم البيانات العامة مع حماية طبقاتها الداخلية، ما سمح لها بتحقيق الشفافية دون الإضرار بأمن الدولة.
ممارسات تقنية مقترحة للحكومات
- تطبيق التشفير من البداية في دورة حياة البيانات
- مراجعة محتوى الوثائق تلقائيًا باستخدام أدوات كشف البيانات الحساسة
- حماية الاتصالات بين الخوادم والمنصات العامة ببروتوكولات TLS/SSL
- فرض المصادقة متعددة العوامل عند تحميل أو إدارة البيانات
- توفير نسخة آمنة للعامة، وأخرى كاملة للوصول المصرّح فقط
من يصمم هذه السياسات؟
تقع مسؤولية بناء سياسة متوازنة بين الشفافية والتشفير على:
- الوزارات المعنية بالحكومة الرقمية
- مراكز البيانات الحكومية
- وحدات الأمن السيبراني
- الجهات التنظيمية لحقوق الخصوصية
يجب أن يتعاون هؤلاء لصياغة دليل وطني يوضح ضوابط النشر ومتطلبات التشفير، مع مراجعة دورية له.
التوصيات
لضمان فعالية النشر وتجنب التسريبات، تنصح المؤسسات بما يلي:
- تدريب الموظفين الحكوميين على التعامل الآمن مع البيانات
- نشر قائمة محدثة بالبيانات التي يجوز نشرها بعد التحقق الأمني
- إشراك المجتمع المدني في تقييم الأثر الأمني للبيانات المفتوحة
- إدماج خبراء الأمن الرقمي ضمن فرق الحكومة المفتوحة
الشفافية لا تعني الفوضى المعلوماتية، والتشفير لا يعني الإغلاق. عندما تعتمد الحكومات على تقنيات أمنية قوية، وتتبنّى نهجًا علميًا لتصنيف بياناتها، فإنها تستطيع حماية نفسها دون التراجع عن التزاماتها تجاه المجتمع. بناء الثقة يبدأ من هذه النقطة الدقيقة: أن يشعر المواطن بالاطلاع، دون أن يتعرض الأمن العام للخطر.