التحول الرقمي وظهور التحديات الأخلاقية
يستند الذكاء الاصطناعي اليوم إلى بيانات ضخمة تُجمع من الأفراد عبر الإنترنت، سواء من خلال البحث، التفاعل مع التطبيقات، أو حتى استخدام الأجهزة الذكية. ومع أن هذه البيانات تحسّن أداء النماذج، إلا أنها تكشف تفاصيل شخصية دقيقة. لهذا السبب، برزت ضرورة إيجاد حلول تحافظ على الخصوصية دون تقليل كفاءة الأنظمة الذكية.
تؤثر الطريقة التي تتعامل بها الأنظمة مع البيانات مباشرة على ثقة المستخدمين. إن تقديم الحماية التقنية، وليس فقط القانونية، بات أمرًا لا يمكن تجاهله. ولذلك، لجأت المؤسسات البحثية إلى تطوير أدوات مثل التشفير القابل للمعالجة لتوفير هذا الأمان.
ما هو التشفير القابل للمعالجة؟
يتيح هذا النوع من التشفير إجراء عمليات حسابية على البيانات دون الحاجة لفك تشفيرها. وبالتالي، يمكن للأنظمة تحليل معلومات مشفرة، وإنتاج نتائج مفيدة، دون أن تتمكن من الاطلاع على المحتوى الأصلي.
على سبيل المثال، بدلاً من فك تشفير بيانات المستخدم لمعرفة متوسط دخله، تستطيع الخوارزمية إجراء الحسابات مباشرة على البيانات المشفرة وإرجاع النتيجة بطريقة آمنة.
لماذا تحتاج نماذج الذكاء الاصطناعي إلى هذا التشفير؟
- حماية البيانات الشخصية:
تستخدم النماذج الحديثة بيانات حساسة للغاية، مثل السجلات الصحية أو المعاملات البنكية. بدون حماية مناسبة، قد يتعرض المستخدمون لانتهاك صارخ لخصوصيتهم. - ضمان الامتثال القانوني:
تفرض لوائح مثل GDPR في أوروبا وCCPA في كاليفورنيا قيودًا صارمة على كيفية جمع ومعالجة البيانات. لذا، تعتمد المؤسسات على التشفير لضمان الامتثال. - تخفيف المخاطر التجارية:
قد تؤدي تسريبات البيانات إلى خسائر مالية وقانونية جسيمة. لكن باستخدام التشفير، تستطيع المؤسسات تقليل هذه المخاطر بشكل كبير. - تعزيز الثقة:
عندما يعرف المستخدمون أن بياناتهم تُعالج دون كشفها، فإنهم يصبحون أكثر استعدادًا للمشاركة.
كيف يعمل التشفير القابل للمعالجة داخل النماذج؟
لكي يستفيد الذكاء الاصطناعي من هذه التقنية، يقوم الباحثون بتطوير خوارزميات متوافقة مع التشفير. يتم تدريب النموذج على بيانات مشفرة دون فكّها، ويجري المعالجة الحسابية داخل بيئة مؤمنة بالكامل.
على سبيل المثال، تستخدم نماذج التصنيف خوارزميات خاصة يمكنها التعلّم من الأنماط دون الوصول فعليًا إلى البيانات الأصلية. وبذلك، يُنجز النموذج المهام المطلوبة مع بقاء الخصوصية محفوظة.
تطبيقات واقعية على دمج التشفير والذكاء الاصطناعي
1. الرعاية الصحية:
تستخدم المستشفيات تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المرضى بهدف تحسين التشخيص. من خلال التشفير، يمكن تدريب النماذج على سجلات طبية دون كشف معلومات المرضى لأي طرف ثالث.
2. الخدمات المصرفية:
تعتمد المؤسسات المالية على خوارزميات للتنبؤ بالسلوك المالي أو الاحتيال. ولتجنب تعريض الحسابات للخطر، تُشفّر البيانات ويُدرّب النموذج عليها دون معرفة هوية المستخدمين.
3. المدن الذكية:
تجمع المدن الحديثة بيانات من حسّاسات ومواطنين. يوفر التشفير حلاً لتفعيل الذكاء الاصطناعي في مراقبة أنماط الحركة أو الطاقة دون انتهاك الخصوصية.
التحديات المرتبطة بتطبيق التشفير القابل للمعالجة
رغم قدراته المتقدمة، إلا أن تطبيقه الواسع يواجه عدة تحديات:
- الأداء الحسابي البطيء:
تتطلب هذه العمليات قوة معالجة هائلة مقارنة بالتشفير التقليدي، مما يؤدي أحيانًا إلى بطء في تنفيذ المهام. - تعقيد التنفيذ:
تحتاج النماذج إلى تعديلات معمارية كبيرة لتعمل بكفاءة على بيانات مشفرة. - محدودية الأدوات المتوفرة:
لا تزال مكتبات البرمجيات التي تدعم هذا النوع من التشفير محدودة، مما يعوق تبنيه على نطاق واسع. - ارتفاع الكلفة:
يتطلب استخدامه استثمارات في البنية التحتية والمواهب التقنية.
مستقبل التشفير في الذكاء الاصطناعي
تتطور تقنيات التشفير بسرعة، لا سيما في مجالات التعلم الفيدرالي والتشفير متعدد الأطراف. ومن المتوقع أن يتمكن الباحثون من دمج هذه الأساليب لتشكيل بيئات معالجة فائقة الأمان.
علاوة على ذلك، تشجع كبرى الشركات العالمية مثل Google وMicrosoft البحث في هذا الاتجاه. ومن خلال تحسين الخوارزميات وتقليل كلفة التشفير، ستتمكن المؤسسات من اعتماد هذه التقنيات بشكل أوسع.