تظل الرسائل النصية القصيرة واحدة من أكثر وسائل التواصل استخدامًا، سواء لإرسال الرسائل الشخصية أو لاستخدامها في المصادقة الثنائية (2FA). لكن مع تزايد الهجمات السيبرانية، يبرز التساؤل: هل توفر الرسائل القصيرة مستوى الأمان المطلوب؟
تعتمد التطبيقات الحديثة، مثل Signal وWhatsApp وTelegram، على أنظمة تشفير متقدمة تمنع حتى مزودي الخدمة من الاطلاع على الرسائل. على العكس من ذلك، تفتقر رسائل SMS إلى حماية مماثلة، مما يجعلها عرضة للاعتراض، خاصة عبر هجمات SS7، استنساخ شريحة SIM، وانتحال هوية المرسل.
لماذا لا تتمتع الرسائل النصية القصيرة بحماية كافية؟
تعتمد رسائل SMS على الشبكات الخلوية لنقل البيانات بين المرسل والمستلم، مما يعرّضها لمخاطر متعددة بسبب ضعف تقنيات التشفير المستخدمة. ومن بين الأسباب التي تجعلها أقل أمانًا:
1. غياب التشفير من طرف إلى طرف (End-to-End Encryption – E2EE)
- ترسل شبكات الاتصالات الرسائل النصية عبر بروتوكول SS7 (Signaling System No. 7)، الذي يسمح لمزودي الخدمة بالاطلاع على محتواها.
- يمكن للمهاجمين استغلال ثغرات في هذا البروتوكول لاعتراض الرسائل وقراءتها دون الحاجة إلى الوصول إلى جهاز المستخدم.
2. تخزين الرسائل على خوادم مزودي الخدمة
- تحتفظ بعض شركات الاتصالات بنسخ من الرسائل النصية في خوادمها، مما يزيد من خطر تسريب البيانات في حال تعرضها للاختراق.
- على العكس، توفر تطبيقات الدردشة الحديثة تشفيرًا مشفرًا بالكامل، مما يمنع حتى الشركات نفسها من الوصول إلى البيانات.
3. ضعف آليات التحقق من هوية المرسل
- تسمح تقنيات SMS Spoofing بانتحال أرقام الهواتف وإرسال رسائل تبدو وكأنها صادرة من جهات رسمية، مما يُستخدم في هجمات التصيد الاحتيالي (Phishing).
- يمكن للقراصنة خداع المستخدمين ودفعهم إلى مشاركة بيانات حساسة عبر رسائل مزيفة.
كيف يتم اعتراض رسائل SMS؟
بسبب عدم تمتع الرسائل القصيرة بتشفير قوي، يمكن للقراصنة استغلال عدة طرق للوصول إلى محتواها:
1. هجمات اعتراض الشبكات (SS7 Attacks)
- يعتمد المهاجمون على ثغرات في بروتوكول SS7 لاعتراض الرسائل المرسلة عبر الشبكات الخلوية.
- يستخدمون هذه التقنية لاختراق الحسابات المرتبطة بالمصادقة الثنائية عبر الرسائل القصيرة.
2. هجمات تبديل شريحة SIM (SIM Swapping)
- يقنع المهاجم مزود الخدمة بنقل رقم الهاتف إلى شريحة جديدة، مما يمكنه من استقبال جميع الرسائل النصية الخاصة بالضحية.
- بمجرد تنفيذ الهجوم، يستطيع المخترق تجاوز المصادقة الثنائية (2FA) والوصول إلى الحسابات المصرفية والبريد الإلكتروني.
3. انتحال هوية المرسل (SMS Spoofing)
- يمكن للمهاجم إرسال رسائل مزيفة تحمل هوية جهات موثوقة، مثل البنوك أو منصات التواصل الاجتماعي.
- يعتمد القراصنة على هذه التقنية للحصول على كلمات مرور مؤقتة أو معلومات شخصية من المستخدمين.
4. استخدام شبكات Wi-Fi غير آمنة
- عند استخدام شبكات Wi-Fi مفتوحة، يمكن للمهاجمين تحليل حركة البيانات واعتراض الرسائل باستخدام أدوات متخصصة مثل Packet Sniffers.
كيف يمكنك حماية رسائلك النصية القصيرة؟
على الرغم من أن رسائل SMS تفتقر إلى التشفير القوي، يمكن اتخاذ خطوات لتقليل المخاطر المرتبطة بها:
1. تجنب استخدام الرسائل القصيرة للتحقق الثنائي (2FA)
- يُفضل استخدام تطبيقات المصادقة مثل Google Authenticator أو Authy، حيث توفر حماية أقوى من الاعتماد على SMS.
- تعتمد هذه التطبيقات على أكواد تُنشأ محليًا على الجهاز، مما يمنع المهاجمين من اعتراضها.
2. الاعتماد على تطبيقات مشفرة بدلاً من SMS
- يمكن استخدام تطبيقات مثل Signal أو WhatsApp التي تعتمد على تشفير من طرف إلى طرف لضمان سرية المحادثات.
- هذه التطبيقات تمنع حتى مزودي الخدمة من الوصول إلى البيانات المتبادلة.
3. تأمين رقم الهاتف ضد هجمات تبديل شريحة SIM
- يُنصح بتفعيل رمز PIN لشريحة SIM لمنع المهاجمين من تنفيذ هجمات SIM Swapping بسهولة.
- توفر بعض شركات الاتصالات ميزة “قفل الحساب” لمنع التغييرات غير المصرح بها على الرقم.
4. عدم مشاركة المعلومات الحساسة عبر SMS
- يُفضل الامتناع عن إرسال كلمات المرور، أرقام الحسابات البنكية، أو معلومات الهوية الشخصية عبر الرسائل القصيرة.
- يمكن للمستخدمين الاعتماد على قنوات أكثر أمانًا لمشاركة البيانات الحساسة.
5. استخدام VPN عند الاتصال بشبكات غير آمنة
- يحمي استخدام VPN الاتصال عبر الإنترنت من عمليات الاعتراض، مما يقلل من مخاطر سرقة البيانات أثناء إرسال الرسائل.
6. التحقق من مصادر الرسائل قبل الاستجابة
- عند استلام رسالة من مصدر غير معروف، يُنصح بالتحقق عبر الاتصال المباشر بالجهة المرسلة قبل مشاركة أي بيانات.
- يمكن للمستخدمين أيضًا الإبلاغ عن الرسائل المشبوهة لحماية الآخرين من عمليات الاحتيال.
مستقبل أمان الرسائل النصية القصيرة
مع تزايد الوعي بالمخاطر الأمنية، بدأت شركات الاتصالات في البحث عن طرق جديدة لحماية الرسائل النصية. تشمل التطورات المستقبلية:
- تحسين بروتوكولات الأمان: تعمل شركات الاتصالات على تطوير معايير أكثر أمانًا لاستبدال SS7، مثل RCS (Rich Communication Services) الذي يوفر تشفيرًا محسنًا.
- زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي: تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل الرسائل النصية واكتشاف محاولات الاحتيال أو التصيد الاحتيالي في الوقت الفعلي.
- التوجه نحو تقنيات المصادقة البديلة: تعمل المؤسسات على استبدال المصادقة الثنائية عبر SMS بطرق أكثر أمانًا مثل مفاتيح الأمان الفعلية (Security Keys) والتعرف البيومتري.
على الرغم من انتشار استخدام الرسائل القصيرة، إلا أنها لم تعد وسيلة آمنة تمامًا لحماية البيانات الحساسة. لذا، يُنصح المستخدمون بالاعتماد على تطبيقات المراسلة المشفرة، تعزيز إعدادات الأمان، وتجنب استخدام الرسائل النصية كطريقة رئيسية للتحقق الثنائي. من خلال هذه الممارسات، يمكن تقليل المخاطر السيبرانية وضمان تجربة أكثر أمانًا عند استخدام خدمات الاتصال الرقمية.