لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مساعدة، بل أصبح جزءًا من قرارات تؤثر في حياة البشر. يفترض كثيرون أنه محايد وموضوعي، لكن الواقع يثبت عكس ذلك.
عندما تُبنى أنظمة على بيانات غير متوازنة، تعكس الخوارزميات التحيزات الموجودة في المجتمع وتعيد إنتاجها. في هذه الحالة، لا تزيل التقنية الظلم، بل تمنحه طابعًا رقميًا يصعب الطعن فيه.
البيانات المنحازة تولّد خوارزميات غير عادلة
يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى بيانات ليتعلم. إذا احتوت هذه البيانات على أنماط غير عادلة، مثل تفضيل فئة اجتماعية أو عرقية معينة، سيتبنى النظام هذه الأنماط دون تمييز.
على سبيل المثال، عندما تعتمد أنظمة التوظيف على بيانات سابقة اختارت مرشحين من خلفية محددة، فإن الخوارزميات تميل إلى تكرار هذه الاختيارات. لا تتفهم هذه الأنظمة ما إذا كانت هذه التفضيلات عادلة، بل تتبع الأرقام فقط.
أنظمة التعرف على الوجه تخطئ بحق الأقليات
أظهرت دراسات أن تقنيات التعرف على الوجه تتعرف على الوجوه البيضاء بدقة أكبر من الوجوه السمراء أو الآسيوية. تزيد نسبة الخطأ عند التعرف على النساء من الأقليات، ما يعرّضهن لأخطاء أمنية جسيمة.
عندما تُستخدم هذه الأنظمة في المطارات أو الشوارع أو من قبل الشرطة، تزداد احتمالية توقيف الأبرياء بسبب أخطاء برمجية. وغالبًا لا تتوفر للمواطن العادي وسيلة للاعتراض على هذه النتائج.
الذكاء الاصطناعي في التوظيف يعيد إنتاج التمييز
اعتمدت شركات كبرى على خوارزميات لاختيار المتقدمين للوظائف. تقوم هذه الأنظمة بتحليل السير الذاتية والفيديوهات القصيرة بناء على مؤشرات مثل نبرة الصوت، اللهجة، أو تعابير الوجه.
تُقصى العديد من الطلبات لأن أصحابها لا يشبهون “النمط المثالي” الذي تدربت عليه الخوارزمية. والنتيجة: حرمان مؤهلين من الفرص لأنهم لا يتطابقون مع صورة مرسومة مسبقًا عن الموظف النموذجي.
العدالة تحت سيطرة الخوارزميات
بدأت بعض أنظمة العدالة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتقييم احتمالية عودة المتهمين إلى ارتكاب الجرائم. تعتمد هذه الأنظمة على بيانات الاعتقالات السابقة لتحديد “خطورة” المتهم.
لكن هذه البيانات غالبًا ما تعكس ممارسات عنصرية أو طبقية، ما يجعل الخوارزميات تعطي تقييمات أعلى للمشتبه بهم من الأقليات، حتى عندما تكون الأدلة الفعلية متساوية مع غيرهم.
المسؤولية تقع على من يطوّر ويستخدم الخوارزميات
لا يمكن اعتبار هذه الأخطاء مجرد نتائج جانبية. المطوّرون مسؤولون عن اختبار أنظمتهم ضد التحيز. الشركات مسؤولة عن فحص تأثير خوارزمياتها قبل إطلاقها. والمؤسسات ملزمة بوضع ضوابط واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
ما لم توجد محاسبة، ستستمر الأنظمة الذكية في اتخاذ قرارات غير عادلة، دون أن يدرك المستخدمون أنها غير منصفة.
كيف يمكن تقليل التحيز الرقمي؟
يجب أن تبدأ الحلول من لحظة تصميم النظام. يمكن استخدام بيانات متنوعة تشمل تمثيلًا عادلًا لكافة الفئات. ينبغي إجراء اختبارات عدالة مستمرة، ومراجعة النتائج بشكل دوري من قبل فرق متعددة التخصصات.
يجب أيضًا إنشاء آلية شفافة للطعن في قرارات الأنظمة الذكية، خاصة في المجالات الحساسة مثل الأمن والعدالة والعمل.
دور القانون والمجتمع المدني
تحتاج الحكومات إلى تشريعات تفرض الشفافية على الشركات التي تطور أو تستخدم الذكاء الاصطناعي. على المشرعين أن يضمنوا أن الأفراد يملكون الحق في معرفة كيف اتُّخذ القرار الآلي بحقهم.
يلعب المجتمع المدني دورًا حيويًا في كشف هذه الممارسات، والضغط على صناع القرار لإيقاف استخدام الأنظمة الظالمة، وتوفير بدائل تضمن الإنصاف.
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم العدالة؟
بالتأكيد. يمكن أن تساهم الخوارزميات في تقليل التمييز إذا طُورت بطريقة مسؤولة. تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي المساعدة في الكشف عن التحيزات إذا صُممت لتحليلها بدلًا من إعادة إنتاجها.
المفتاح هو دمج القيم الإنسانية في تصميم النظام منذ البداية. لا يكفي الاعتماد على الكود، بل يجب التفكير في الأثر الاجتماعي للقرارات الرقمية.
الخوارزميات ليست معصومة من الخطأ، بل تتعلم من واقع غير عادل. عندما تُترك دون مراقبة، تصبح وسيلة لتوسيع الفجوة بين الفئات الاجتماعية.
لكن بالإمكان تغيير هذا الواقع. يمكننا بناء أنظمة عادلة إذا أصررنا على الشفافية، والمحاسبة، وإشراك الجميع في تطوير التقنيات التي تُستخدم باسم الجميع.