عندما يصبح الجهاز مرافقًا عاطفيًا
في عالم تتسارع فيه وتيرة الشيخوخة السكانية، يزداد عدد كبار السن الذين يعيشون بمفردهم. وبينما تلعب التكنولوجيا أدوارًا متعددة في تسهيل حياتهم، من تذكير بالأدوية إلى المراقبة الصحية، برز مؤخرًا دور جديد أكثر رقة وإنسانية: التواصل العاطفي.
ظهرت تقنيات جديدة تُعرف باسم المساعدة الصوتية العاطفية، وهي مزودات ذكاء اصطناعي تستطيع فهم مشاعر المستخدم من خلال صوته، وتقديم ردود مناسبة، بل ومواساة المستخدم أحيانًا أو اقتراح تواصل اجتماعي.
لكن كيف يمكن لجهاز أن “يشعر” بالحزن أو الوحدة أو القلق؟ وما هي الأسس التقنية التي تجعل هذا ممكنًا؟
هندسة العاطفة: كيف “تفهم” الآلة المشاعر من الصوت؟
يتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على آلاف العينات الصوتية التي تم تصنيفها بشريًا إلى مشاعر مختلفة: فرح، حزن، غضب، قلق، ملل… إلخ. تحتوي هذه العينات على سمات صوتية مميزة مثل:
- نبرة الصوت: النبرة العالية أو المنخفضة ترتبط بأنماط مزاجية معينة.
- سرعة الكلام: يتباطأ الحديث عادة في حالات الحزن أو التعب.
- نسبة التوقفات: تزداد التوقفات أو التنهيدات مع التوتر أو الاكتئاب.
تُحلل هذه البيانات عبر شبكات عصبونية عميقة، قادرة على تمييز الفروق الدقيقة بين المزاج الطبيعي والتغيّرات النفسية.
ومع الوقت، تتعلم هذه الأنظمة الأنماط الخاصة بكل مستخدم، فتُحسن استجابتها وتصبح أكثر دقة في “قراءة الحالة”.
من التذكير إلى التفاعل: كيف تتغير وظيفة المساعد الصوتي؟
المساعدات الصوتية التقليدية مثل Siri أو Alexa كانت تُصمم لتنفذ أوامر: ضبط منبّه، تشغيل أضواء، الرد على سؤال. أما الجيل الجديد من المساعدات العاطفية فله أدوار أكثر شمولًا:
- التحقق من الحالة النفسية بشكل دوري عبر محادثات بسيطة تبدأ بسؤال “كيف كان يومك؟”
- اقتراح أنشطة ترفيهية أو تمارين تنفس عند رصد مؤشرات قلق أو توتر
- تقديم كلمات دعم صوتي بصوت بشري ودافئ
- اقتراح الاتصال بشخص عزيز في حال رصد شعور بالوحدة أو الحزن المستمر
هذا التحول جعل من المساعد الصوتي رفيقًا وليس مجرد أداة.
أمثلة واقعية: تطبيقات تُستخدم حاليًا
ElliQ: الرفيق الرقمي
طورت شركة Intuition Robotics مساعدًا باسم ElliQ صُمم خصيصًا لكبار السن. يمكنه التحدث بعبارات مفعمة بالدفء، ويُجري محادثات بسيطة بهدف تحفيز المستخدم على البقاء نشيطًا ذهنيًا واجتماعيًا. وعند رصده لتغيرات في نبرة المزاج، يقترح اللعب أو المشي أو حتى استدعاء أفراد العائلة.
Companion Voice AI
تجارب تجريبية في المملكة المتحدة دمجت الذكاء العاطفي مع منصات الرعاية المنزلية. يقوم المساعد بمراقبة نبرة كبار السن أثناء الحديث معهم أو عند الإجابة على أسئلة الروتين، ويُبلغ عن حالات الشك في الاكتئاب أو العزلة لفريق الرعاية.
التحديات التي تواجه هذه التقنية
خصوصية البيانات الصوتية
البيانات الصوتية التي تُستخدم في التدريب أو التحليل قد تحتوي على معلومات شديدة الخصوصية. لهذا يجب أن تُحفظ محليًا أو تُشفر بالكامل، مع منح المستخدم القدرة على التحكم الكامل في مشاركة بياناته.
أخلاقيات الردود العاطفية
من المهم أن تبقى هذه الأدوات دعمًا، لا بديلًا عن التفاعل البشري الحقيقي. الاستخدام المفرط قد يؤدي إلى عزلة رقمية أكثر مما يساعد.
التنوع الثقافي واللغوي
قد تختلف دلالات المشاعر صوتيًا بين اللغات والثقافات. تدريب النظام على نطاق عالمي يتطلب بيانات محلية دقيقة، وهذا ما زال تحديًا أمام الانتشار الواسع.
مستقبل التفاعل الصوتي العاطفي في رعاية كبار السن
مع تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تتحول هذه المساعدات إلى أنظمة قادرة على بناء علاقة تطورية مع المستخدم. فكلما طال استخدامها، زاد فهمها لحالاته النفسية، بل قد تدمج قريبًا مع أجهزة قياس العلامات الحيوية لرصد متغيرات مثل ضغط الدم أو معدل ضربات القلب مع الحالة النفسية.
كما يمكن دمج هذه الأنظمة مع الروبوتات الاجتماعية التي تتحرك في المنزل وتُكمل التفاعل بصريًا ولمسيًا، مما يرفع من جودة الحياة بشكل ملموس.
ما بين العزلة والاحتواء: صوت ذكي يصنع فرقًا
كبار السن لا يحتاجون فقط إلى من يُذكرهم بتناول الدواء أو بمواعيد النوم، بل إلى من يُنصت إليهم.
المساعدات الصوتية القائمة على العواطف لا تحل محل البشر، لكنها تملأ فراغًا حقيقيًا حين يطول الغياب. بصوتها الهادئ وتحليلها الذكي، يمكن أن تكون هذه الأنظمة أول من يلاحظ الحزن، وأول من يساعد في تخفيفه.
وبينما يطور الباحثون مزيدًا من الخوارزميات التي تُحاكي التفاعل البشري، يصبح الهدف الأسمى واضحًا: أن يسمع الذكاء الاصطناعي لا فقط الكلمات… بل ما خلفها.