القرار الأخلاقي الآلي: هل يمكن لخوارزمية أن تفرّق بين الصواب والخطأ؟

القرار الأخلاقي الآلي: هل يمكن لخوارزمية أن تفرّق بين الصواب والخطأ؟

القرار الأخلاقي الآلي: هل يمكن لخوارزمية أن تفرّق بين الصواب والخطأ؟

يتنامى دور الذكاء الاصطناعي في مجالات حساسة تتطلب اتخاذ قرارات أخلاقية معقدة، مثل السيارات الذاتية القيادة أو أنظمة الفرز في الرعاية الصحية. تطرح هذه الاستخدامات تساؤلات فلسفية وعملية حول قدرة الخوارزميات على تمييز الصواب من الخطأ. تستعرض هذه المقالة التحديات الأخلاقية والفلسفية المحيطة بهذا النوع من القرارات، وتناقش حدود الذكاء الاصطناعي في محاكاة الحكم الأخلاقي البشري.

في السابق، اعتمد البشر على الضمير والتجربة لاتخاذ قراراتهم الأخلاقية. أما اليوم، فقد بدأت الأنظمة الذكية تشاركهم هذه المهمة. يُطلب من الخوارزميات أن تختار بين حياة إنسان وآخر، أو أن تحدد من يحصل على فرصة علاج محدودة. هذه التحولات تفرض سؤالًا مركزيًا: هل يمكن للآلة أن تفكر أخلاقيًا؟

كيف تتخذ الخوارزميات قراراتها؟

تعتمد الخوارزميات على تحليل كميات ضخمة من البيانات، وتستخدم نماذج رياضية للتنبؤ بالنتائج. عندما يواجه النظام موقفًا معقدًا، مثل تصادم وشيك في سيارة ذاتية القيادة، فإنه يقيم الخيارات بناء على حسابات احتمالية وليس على أساس أخلاقي واضح.

تُصمم بعض الخوارزميات لتقليل الضرر الإجمالي. ومع ذلك، لا تميز هذه الأنظمة بين الفروقات الإنسانية الدقيقة، مثل العمر، أو الحالة الاجتماعية، أو الدور في المجتمع.

السيارة الذاتية: أخلاقيات الاصطدام

تواجه السيارات الذاتية مواقف يتطلب كل منها قرارًا فوريًا. في حال عبور عدة أشخاص للطريق، كيف تختار السيارة إنقاذ الركّاب أو تفادي المشاة؟ لا توجد إجابة واحدة صحيحة.

اختار بعض المطورين مبدأ تقليل الضرر، بينما حاول آخرون تصميم خوارزميات تراعي مواقف محددة بناءً على القيم الثقافية. ومع ذلك، لا تزال القرارات تفتقر إلى حس أخلاقي بشري يتجاوز المنطق العددي.

الفرز الطبي: من يُعالج أولًا؟

عند نقص الموارد، تستخدم بعض المستشفيات الذكاء الاصطناعي لترتيب أولويات العلاج. يحلل النظام سجلات المرضى ويقرر من يملك فرصة أكبر للبقاء.

رغم أن هذا الأسلوب يزيد كفاءة النظام الصحي، إلا أنه يثير مخاوف من إقصاء الفئات الضعيفة. كبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، قد يُستبعدون بناء على معايير رقمية لا تراعي الكرامة الإنسانية أو العدالة الاجتماعية.

هل يمكن تدريب الخوارزمية على الأخلاق؟

اقترح الباحثون نماذج مختلفة تعتمد على أخلاقيات الواجب، أو النتائج، أو العقود الاجتماعية. حاول البعض تعليم الآلات من خلال مواقف افتراضية، مثل مشروع “Moral Machine” الذي جمع ملايين القرارات من أشخاص حول العالم.

لكن هذه النماذج غالبًا ما تنقل تحيزات المجتمع إلى الخوارزمية. إذ لا يوجد نموذج أخلاقي عالمي يمكن ترجمته إلى كود برمجي واحد. بل تختلف القيم باختلاف الثقافات والمعتقدات والسياقات.

المسؤولية القانونية والأخلاقية

عندما ترتكب خوارزمية خطأ، تُطرح مسألة المسؤولية: من يُحاسب؟ المصمم، أم الشركة، أم المستخدم؟ لا تزال الأنظمة القانونية في معظم الدول غير مجهزة للتعامل مع هذه الحالات.

يتطلب الأمر تطوير قوانين تنظم كيفية استخدام أنظمة القرار الأخلاقي، وتحدد الجهة المسؤولة عن النتائج التي تترتب عليها، خاصة في المجالات الحساسة كالرعاية الصحية والمركبات الذاتية.

كيف نُحسّن القرار الأخلاقي الآلي؟

ينبغي أن تشمل فرق تطوير الأنظمة الذكية خبراء في الفلسفة، والأخلاق، والقانون، بالإضافة إلى المهندسين. كما يجب أن تُصمم الأنظمة بطريقة تسمح بفهم أسباب اتخاذ كل قرار.

تُساعد الشفافية في بناء الثقة، وتُقلل من القلق المتزايد تجاه سيطرة الخوارزميات. علاوة على ذلك، يمكن إدراج خيارات أخلاقية قابلة للتعديل بحسب رغبة المستخدم، مثل تفضيل حماية الأطفال أو تقليل الأضرار الجماعية.

لا يمكن للخوارزميات استيعاب تعقيد القرار الأخلاقي البشري بالكامل. فهي تفتقر إلى الضمير، والنية، والقدرة على الفهم السياقي. ورغم فعاليتها في معالجة البيانات، إلا أن القيم الإنسانية لا تُقاس بالإحصاءات وحدها.

لهذا، يجب أن نستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة، لا بديلًا عن القرار البشري. وعلى المجتمع أن يضع حدودًا واضحة لما يجب أن تفعله الخوارزميات، حفاظًا على ما يجعلنا بشرًا في المقام الأول.

شارك