يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة محايدة تتخذ قرارات عقلانية قائمة على البيانات. مع ذلك، لا تعمل هذه النماذج خارج تأثير المجتمع. في الواقع، تعتمد الأنظمة الذكية على بيانات أنتجها بشر تأثروا ببيئاتهم الثقافية والاقتصادية، مما يجعلها عرضة لتكرار أنماط التمييز السائدة.
بالتالي، من الضروري أن نفهم كيف تنقل الخوارزميات هذه التحيزات إلى الواقع. كما نحتاج إلى تسليط الضوء على أمثلة واقعية، وتحليل آليات التحيز، واقتراح حلول تقنية وأخلاقية تحد من الظاهرة.
كيف تظهر التحيزات داخل نماذج الذكاء الاصطناعي؟
1. البيانات المنحازة
تعتمد النماذج على بيانات سابقة لتعلّم الأنماط. وعندما تعكس هذه البيانات ممارسات تمييزية، فإن النماذج تكرّرها تلقائيًا. على سبيل المثال، عندما تُظهر بيانات التوظيف تفضيلًا للذكور، فإن الخوارزمية تميل إلى اختيارهم، حتى إن لم يكن ذلك ظاهرًا بشكل مباشر.
2. تصميم ميزات غير محايدة
يحدد المطورون الخصائص التي تعتمد عليها النماذج. في بعض الأحيان، يستخدمون مؤشرات مثل الرمز البريدي أو نوع التعليم، والتي قد ترتبط بخلفيات اجتماعية أو عرقية معينة. ونتيجة لذلك، تعكس هذه الاختيارات تمييزًا غير مباشر.
3. تجاهل العدالة مقابل تحسين الأداء
يركّز كثير من الفرق التقنية على تحسين الدقة، ويهملون أحيانًا مبدأ العدالة. عندما تفشل النماذج في تمثيل الفئات الأقل عددًا، فإنها تهمّشهم ضمنيًا. لذلك، يجب أن تتوازن الدقة مع العدالة الاجتماعية.
دراسات حالة توضح التحيز في الواقع
COMPAS في العدالة الجنائية
اعتمدت محاكم أمريكية نظام COMPAS لتقييم مخاطر تكرار الجريمة. أظهرت دراسات لاحقة أن النظام صنّف المتهمين السود على أنهم أكثر خطورة من نظرائهم البيض في حالات متشابهة. لم يشمل النظام العِرق كعامل مباشر، لكنه استخدم مدخلات ارتبطت بالتمييز العنصري، مثل الحي السكني أو السجل الاجتماعي.
تجربة أمازون في التوظيف
طوّر فريق من شركة أمازون أداة ذكاء اصطناعي لفرز السير الذاتية. ومع مرور الوقت، لاحظ الفريق أن الأداة تفضّل الرجال على النساء. عزوا ذلك إلى بيانات التدريب التي عكست تاريخًا من التمييز المهني. لذلك، أوقفوا استخدام الأداة واستبدلوها بعملية تقييم جديدة.
كيف يمكن تقليل التحيز الخوارزمي؟
أولًا: تدقيق البيانات وتحسين تنوعها
يحتاج المطورون إلى تحليل مصادر البيانات بعناية قبل تدريب النماذج. يساعد فحص التمثيل العادل للفئات المختلفة على تجنب ترسيخ التحيزات. إضافة إلى ذلك، يجب حذف أو تعديل الخصائص التي قد تعكس فروقات مجتمعية غير عادلة.
ثانيًا: تطوير خوارزميات عادلة
يمكن للمبرمجين استخدام تقنيات تعلّم آلي تراعي العدالة، مثل إعادة موازنة العينات أو تقليل ارتباط النتائج بسمات مثل الجنس أو العرق. بهذه الطريقة، لا يُضحّى بالكفاءة لصالح الإنصاف، بل يُحقّق توازن مستدام بينهما.
ثالثًا: تعزيز الشفافية وقابلية التفسير
عندما يُفسّر النظام قراراته بوضوح، يمكن للمستخدمين وصناع القرار تقييم منطق الخوارزمية. تساعد أدوات تفسير القرار في كشف الأخطاء والانحيازات، وبالتالي تُمكّن المؤسسات من التدخّل قبل وقوع الضرر.
رابعًا: إشراك المجتمعات المتأثرة
يفيد إشراك الفئات المستهدفة في مراحل تطوير النماذج. يقدّم هؤلاء الأفراد رؤى واقعية تساعد على تصميم نماذج تحترم السياقات الاجتماعية والثقافية. في هذا السياق، تكتسب الخوارزميات بعدًا أخلاقيًا يعزّز مصداقيتها.
توصيات عملية
- عيّن المؤسسات فرقًا متعددة التخصصات تدمج التقنية، الأخلاقيات، والاجتماع
- وفّر الشركات أدوات لاختبار الإنصاف في النماذج قبل إطلاقها
- ألزم الجهات المطورة بتوثيق كيفية تصميم النماذج ومصادر بياناتها
- راقب نتائج النماذج بانتظام وعدّلها عندما تبرز مؤشرات انحياز
خاتمة
لا تصنع الخوارزميات قراراتها في فراغ. بل تتعلّم من ماضٍ قد يكون مليئًا بالتمييز، ثم تُعيد بناء المستقبل استنادًا إلى هذا الماضي. لذلك، لا يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي محايدًا دون شروط.
لكي نستفيد من إمكانات الذكاء الاصطناعي بشكل عادل، يجب أن ندمج مبادئ الشفافية، الإنصاف، والمساءلة في كل مرحلة من مراحل التطوير. وبهذا الشكل، لن تصبح الخوارزميات مجرد أدوات تنبؤ، بل أدوات تغيير.