حين يصبح هاتفك عيادة: الطبيب الافتراضي وأسرار بياناتك الصحية

حين يصبح هاتفك عيادة: الطبيب الافتراضي وأسرار بياناتك الصحية

حين يصبح هاتفك عيادة: الطبيب الافتراضي وأسرار بياناتك الصحية

شارك

تطبيقات الطب عن بعد غيّرت وجه الرعاية الصحية وجعلتها في متناول أيدينا، لكنها في المقابل فتحت أبوابًا واسعة لتساؤلات جوهرية حول أمن بياناتنا الطبية. في هذه المقالة نحلل كيف تُجمع المعلومات الصحية عبر هذه الأنظمة، وما التهديدات التي قد تطال سجلاتك، ونقترح خطوات عملية لحمايتك.

الطب الرقمي يقترب أكثر… فهل نرحب به بلا تحفظ؟

شهد قطاع الرعاية الصحية قفزة نوعية خلال العقد الأخير، إذ انتقل من مكاتب الأطباء والمستشفيات إلى شاشات الهواتف والأجهزة اللوحية. تطبيقات الاستشارات الطبية، منصات جدولة المواعيد، أجهزة قياس الضغط أو السكر المتصلة بالإنترنت، كل هذه باتت تشكل جزءًا من حياتنا اليومية.

لم تعد زيارة الطبيب تتطلب مغادرة المنزل، فيكفي أن تفتح تطبيقًا، تدخل بياناتك، وتحصل على استشارة قد تنقذ حياتك. لكن في مقابل هذه السهولة، أصبح من المشروع أن نسأل: أين تذهب كل هذه البيانات الصحية الدقيقة؟ ومن يحميها من أن تقع في الأيدي الخطأ؟

ما الذي تجمعه تطبيقات الطب عن بعد فعليًا؟

بيانات شخصية موسعة

تبدأ أغلب هذه التطبيقات بجمع اسمك، عمرك، تاريخ ميلادك، ومعلومات الاتصال بك. هذا في حد ذاته ملف كافٍ لتعريفك بدقة.

سجلات طبية دقيقة

تشمل التاريخ الطبي، الأمراض المزمنة، نتائج التحاليل المخبرية، الوصفات التي تناولتها، وحتى ملاحظات الأطباء حول حالتك النفسية والجسدية.

بيانات الاستشعار الحيوي

أجهزة مثل ساعات تتبع نبض القلب أو أساور قياس السكر ترسل بشكل مباشر بياناتك الحيوية إلى التطبيق — وأحيانًا إلى الطبيب — على مدار الساعة.

بيانات المواقع والأنشطة

بعض الأنظمة تطلب الإذن بتعقب موقعك الجغرافي لمساعدتك في العثور على أقرب صيدلية أو مستشفى، لكنها بهذا تعرف أين تسكن وأين تتحرك.

هل تخزن الشركات بياناتك الصحية؟ وكيف يُتعامل معها؟

الكثير من هذه البيانات لا يبقى محصورًا في هاتفك. بل غالبًا ما يُرسل إلى خوادم سحابية لمعالجته وتخزينه، أو لمشاركته مع مقدمي الخدمة مثل المختبرات والصيدليات.

هنا تبرز عدة إشكالات:

  • هل تُشفّر البيانات أثناء النقل والتخزين؟
  • هل تطبق الشركة بروتوكولات مصادقة صارمة لمنع وصول غير المخولين؟
  • وهل تنص سياساتها بوضوح على عدم بيع هذه البيانات لطرف ثالث؟

مع الأسف، في كثير من الحالات تكون سياسة الخصوصية طويلة ومعقدة بحيث لا يقرأها المستخدمون، فيمنحون بذلك موافقة واسعة على استخدام بياناتهم دون وعي.

المخاطر المحتملة: لماذا ينبغي أن نقلق على بياناتنا الصحية؟

سرية المعلومات

المعلومات الطبية حساسة للغاية. تسربها قد يؤدي إلى وصمة اجتماعية أو حتى مشاكل في العمل أو التأمين الصحي. تخيل أن يعرف صاحب عملك أنك تعاني مرضًا مزمنًا دون إذنك.

الابتزاز والجرائم الإلكترونية

قراصنة البيانات لا يستهدفون الأرقام المصرفية وحدها. في بعض الهجمات، سُرّبت ملفات طبية لآلاف المرضى، واستُخدمت لاحقًا للابتزاز بنشر التفاصيل إذا لم يدفعوا مبالغ مالية.

الاستخدام التجاري

حتى دون اختراقات، قد تسمح سياسات بعض التطبيقات بمشاركة بياناتك الصحية مع شركات أدوية أو مسوقين، ليصمموا لك حملات دعائية تستغل نقاط ضعفك الصحية.

هل التشفير كافٍ لحماية بياناتك الصحية؟

ما معنى تشفير البيانات في هذا السياق؟

يُقصد به تحويل البيانات إلى صيغة غير مقروءة إلا عبر مفتاح خاص. معظم التطبيقات المعتبرة تستخدم بروتوكولات HTTPS عند الإرسال، وتشفير AES أثناء التخزين.

لكن:

  • إذا حصل المخترق على بيانات الدخول (مثل البريد وكلمة المرور)، فلن يفيده التشفير كثيرًا.
  • بعض الهجمات تستهدف الثغرات في التطبيقات نفسها لتجاوز طبقات الأمان.

كيف تتأكد أن الطبيب الافتراضي لا يعرض بياناتك للخطر؟

اختر تطبيقات معروفة وموثوقة

يفضل التعامل مع تطبيقات معتمدة من جهات صحية رسمية، أو تلك التي تخضع للوائح مثل GDPR في أوروبا أو HIPAA في أمريكا.

اقرأ سياسات الخصوصية

صحيح أنها طويلة، لكن ابحث على الأقل عن بنود مثل:

  • هل يُسمح لهم بمشاركة بياناتك مع طرف ثالث؟
  • كم مدة الاحتفاظ بالسجلات؟
  • هل يحق لك طلب حذف بياناتك لاحقًا؟

فعّل المصادقة الثنائية

كثير من التطبيقات توفر خيار تأكيد الهوية عبر رمز يُرسل إلى هاتفك، ما يصعب على المهاجمين اختراق حسابك حتى لو عرفوا كلمة السر.

دور التشريعات في حماية بياناتك الطبية الرقمية

تسعى كثير من الحكومات إلى سن قوانين تشدد على حماية البيانات الصحية، إذ تصنفها في أعلى درجات الحساسية. مثلًا، لوائح GDPR تشترط موافقة واضحة على معالجة البيانات الطبية، وحق المريض في معرفة كيف تُستخدم.

لكن تطبيق هذه القوانين متفاوت. في بلدان عديدة لا تزال حماية الخصوصية الصحية في مجال الطب عن بعد شبه غائبة، ما يضع العبء على المستخدم نفسه ليتحرى ويتحقق.

الرعاية الذكية خيار لا مفر منه… ولكن بحذر

من المستبعد أن يعود العالم للوراء ويتخلى عن خدمات الطبيب الافتراضي والطب عن بعد. فهي حل ضروري، خاصة في الريف والمناطق النائية، ولحالات الطوارئ أو الأوبئة.

لكن في الوقت ذاته، على المستخدمين أن يكونوا على وعي بأن بياناتهم الصحية ليست مجرد معلومات تافهة. بل هي مفتاح يكشف عن حياتهم الخاصة، ويستحق أعلى درجات الحماية.

شارك