عندما تصبح الخصوصية ضرورية للجميع
لم تعد التكنولوجيا ترفًا، بل أصبحت حاجة ضرورية لكبار السن، سواء في التواصل مع العائلة أو الوصول إلى الخدمات الصحية. رغم ذلك، لا تزال الخصوصية الرقمية بعيدة عن متناولهم. غالبًا ما تُصمم الأدوات الأمنية للأشخاص المتمرسين بالتقنية، مما يترك المسنين عرضة للاختراق والاحتيال الرقمي.
لذلك، من المهم أن نفكر: كيف نحمي معلوماتهم دون أن نطلب منهم تعلّم مصطلحات مثل “المفاتيح العامة” أو “التشفير المتماثل”؟
التحديات الرقمية التي تواجه كبار السن
لا يخفى أن هذه الفئة العمرية تتعرض يوميًا لمخاطر رقمية، منها سرقة الحسابات، أو اختراق تطبيقات التواصل، أو تسريب معلوماتهم الصحية. وغالبًا ما يجهلون كيفية حماية أنفسهم أو حتى التبليغ عن الحوادث.
إلى جانب ذلك، يسبب تعقيد واجهات التطبيقات عائقًا نفسيًا، يدفع بعضهم إلى تجنب استخدامها، أو الاعتماد الكامل على الآخرين، ما يفقدهم استقلاليتهم.
كيف نعيد تصميم التشفير ليتناسب مع احتياجاتهم؟
تقديم الحماية لا يعني فرض التعقيد. يمكن تبسيط التشفير من خلال تصميمات تراعي البصر، الإدراك، وسهولة التفاعل، مع دمج تقنيات مثل:
- تشفير تلقائي للصور، المحادثات، والتقارير الصحية بمجرد مشاركتها
- مساعد صوتي يتعرف على الأوامر البسيطة مثل “أرسل رسالة مشفّرة للطبيب”
- واجهات تعتمد على الأيقونات الكبيرة، والألوان التوضيحية بدل القوائم المعقدة
عندما يشعر المستخدم بأن التقنية تخدمه، سيتقبلها حتى إن لم يكن خبيرًا بها.
دور التطبيقات في جعل التشفير غير مرئي لكن فعّال
لا يجب أن يختار المستخدم بين الأمان وسهولة الاستخدام. يمكن للمطورين تفعيل طبقات تشفير تعمل في الخلفية دون تدخل، مثل:
- تأمين الجلسات تلقائيًا بعد مدة زمنية محددة
- استخدام التحقق البيومتري البسيط (بصمة أو وجه)
- تسليم تقارير أسبوعية للمستخدم توضح ما تم حمايته دون مصطلحات تقنية
كل هذه الخطوات تتيح تجربة آمنة لا تتطلب شروحات أو أدلة تقنية طويلة.
أدوات حالية تمهّد الطريق
بعض الأدوات المتوفرة بالفعل تتيح بداية جيدة نحو هذا التوجه:
- تطبيق Signal يُفعّل التشفير التام دون الحاجة لأي إعدادات
- تطبيقات مثل ProtonMail وSimpleLogin توفّر حماية للبريد الإلكتروني مع واجهات نظيفة
- أنظمة iOS وAndroid بدأت بإدراج “أوضاع بسيطة” يمكن تخصيصها للمستخدمين الأكبر سنًا
ومع القليل من التخصيص، يمكن لهذه الحلول أن تخدم كبار السن دون شعور بالإرباك.
كيف يمكننا دعم هذه الفئة عمليًا؟
المجتمع بأسره يجب أن يتحرك لجعل التشفير متاحًا للجميع:
- المطورون مسؤولون عن دمج “الأمان المضمّن” (secure by default)
- الحكومات تستطيع دعم المبادرات التي تصمّم برمجيات لكبار السن
- العائلات يمكنها مساعدة أحبائها بإعداد الأجهزة بشكل آمن، وتقديم الشروحات بلغتهم اليومية
عندما يتحقق هذا التعاون، لا يعود الأمان الرقمي امتيازًا، بل يصبح حقًا عامًا.
نحو فضاء رقمي أكثر عدالة
ليس من المقبول أن يُترك كبار السن خارج النظام الرقمي بسبب حاجز تقني. التشفير ليس حكرًا على المتخصصين، بل هو أداة ينبغي أن تحمي الجميع. عبر تصميم مبسط، ودعم اجتماعي، وتكنولوجيا تراعي اختلاف القدرات، يمكن أن نمنحهم الثقة للتفاعل بأمان مع عالم لم يعد ممكنًا الانفصال عنه.