ما لا يظهر في الصفحة: كيف يُخترق المتصفح ليسرّب معلوماتك الطبية؟

ما لا يظهر في الصفحة: كيف يُخترق المتصفح ليسرّب معلوماتك الطبية؟

ما لا يظهر في الصفحة: كيف يُخترق المتصفح ليسرّب معلوماتك الطبية؟

شارك

رغم حماية السجلات الطبية داخل أنظمة معقّدة، تبقى المتصفحات أضعف الحلقات عند الوصول إلى هذه البيانات. تستعرض المقالة كيف يُستغل المتصفح لتسريب معلومات المرضى، من خلال ملفات الارتباط، اعتراض الجلسات، أو برمجيات التتبع الخفية، مع اقتراح حلول تقنية لحماية البيانات الحساسة عند التصفح.

من النظام إلى الشاشة: هل المتصفح هو نقطة الضعف؟

في عيادة طبية أو مستشفى رقمي، يعتقد كثيرون أن حماية معلومات المرضى مسؤولية نظام إدارة السجلات فقط. لكن الواقع يثبت أن المتصفح هو نقطة دخول حساسة، تُستغل بسهولة عندما يتم الوصول إلى هذه الأنظمة من خلال واجهات الويب.

ومع ازدياد استخدام الأنظمة السحابية في القطاع الصحي، أصبح تصفح السجلات، نتائج التحاليل، أو تفاصيل المرضى يتم عبر متصفحات اعتيادية — ما يفتح المجال لهجمات غير تقليدية، تُهدد سرية واحدة من أكثر البيانات حساسية: الملف الصحي الشخصي.

كيف يتم تسريب المعلومات الطبية عبر المتصفح؟

1. استغلال ملفات تعريف الارتباط (Cookies)

عند تسجيل دخول الطبيب أو الإداري إلى النظام الطبي، يتم توليد ملف تعريف مرتبط بجلسته. إذا لم يكن هذا الملف محميًا أو تم تخزينه بشكل غير آمن، يمكن سرقته من طرف ثالث.

بعض ملفات الكوكيز قد تحتوي على رموز جلسة Session Tokens، والتي يمكن استخدامها للوصول مباشرة إلى بيانات المرضى دون الحاجة إلى اسم مستخدم أو كلمة مرور.

2. اعتراض الجلسة (Session Hijacking)

في حال استخدام شبكة غير مشفرة (Wi-Fi عام مثلًا)، يمكن لمهاجم قريب التقاط حزم البيانات المنقولة بين المتصفح والخادم. إذا لم تكن الجلسة مؤمنة ببروتوكول HTTPS وتشفير قوي، يمكن اعتراضها.

هذا النوع من الهجوم يُستخدم أحيانًا لتسجيل الدخول باسم المستخدم الأصلي، أو لتحليل الطلبات واسترجاع بيانات حساسة.

3. برمجيات التتبع والإعلانات

بعض المواقع الصحية تستخدم أدوات خارجية لتحليل الاستخدام أو تسهيل تجربة المستخدم. هذه الأدوات — مثل سكريبتات Google Analytics أو أدوات دعم الدردشة — قد تُدمج بملفات خارجية يمكن اختراقها واستغلالها للوصول إلى محتوى الصفحة أو تجميع بيانات المستخدم.

4. إضافات المتصفح الخبيثة (Malicious Extensions)

بعض الإضافات التي يثبتها الموظفون على متصفحهم قد تطلب صلاحيات للوصول إلى محتوى الصفحات. في البيئات الصحية، هذا قد يعني أن الإضافة تقرأ بيانات مريض، أو تحفظها، أو تنقلها خارجيًا.

5. كاش المتصفح وذاكرة الجلسة

في حالات معينة، يقوم المتصفح بحفظ نسخة من صفحات الويب التي تحتوي على معلومات حساسة في “الذاكرة المؤقتة” أو سجل التصفح. يمكن لأي طرف لديه صلاحية على الجهاز الاطلاع عليها لاحقًا.

أمثلة واقعية توضح حجم الخطر

في 2022، اكتشف باحثون في أمن المعلومات أن بعض مواقع المختبرات الطبية في أوروبا تُحمّل أدوات تتبع إعلانية من أطراف ثالثة ضمن صفحات النتائج. هذا يعني أن بيانات المرضى تم إرسالها بشكل غير مقصود إلى خوادم خارجية غير مصرح لها بذلك.

وفي حالة أخرى، تم تسريب نتائج مرضى السرطان من خلال ثغرة في متصفح جهاز موظف الدعم الفني الذي كان يستخدم إضافات لتحميل مقاطع الفيديو من يوتيوب، والتي تبين لاحقًا أنها تسجّل كل النوافذ المفتوحة في الخلفية.

ما الفرق بين حماية النظام وحماية التصفح؟

  • حماية النظام تعتمد على جدران الحماية، إدارة الهوية، وتشفير قاعدة البيانات.
  • أما حماية التصفح فهي تتعلق بجلسة المستخدم، جهازه، إعدادات المتصفح، وسلوك التفاعل.

وهذا يعني أن أقوى نظام طبي يمكن أن يُخترق بسبب إعدادات ضعيفة على متصفح المستخدم.

كيف نحمي المعلومات الطبية عند التصفح؟

1. فرض استخدام متصفحات مؤمنة ومحدثة

مثل إصدار خاص من Firefox أو Chromium بإعدادات خصوصية متقدمة وتعطيل الإضافات.

2. تفعيل Content Security Policy (CSP)

تمنع تحميل السكريبتات أو الموارد من نطاقات غير مصرّح بها، وتقلل من خطر الاختراقات القائمة على الحقن.

3. تعطيل التخزين المؤقت والكاش للصفحات الطبية

من خلال إعدادات الخادم، بحيث لا يتم حفظ أي نسخة من محتوى صفحة المريض.

4. تفعيل HTTP Strict Transport Security (HSTS)

لإجبار المتصفح دائمًا على استخدام الاتصال المشفر وعدم الرجوع إلى HTTP.

5. منع تثبيت الإضافات داخل بيئة العمل

وفرض “القائمة البيضاء” لما يمكن تثبيته داخل المتصفح.

6. إلغاء تفعيل الإكمال التلقائي في الحقول الحساسة

مثل الاسم، الرقم الطبي، أو البريد الإلكتروني داخل صفحات الإدخال.

ممارسات سلوكية يجب ترسيخها في القطاع الصحي

  • عدم ترك جلسات مفتوحة على المتصفح
  • تسجيل الخروج يدويًا دائمًا بعد الانتهاء من استخدام النظام
  • استخدام كلمات مرور قوية وعدم حفظها في المتصفح
  • عدم فتح مواقع أو رسائل بريد غير مرتبطة بالعمل أثناء استخدام الأنظمة الطبية
  • استخدام VPN معتمد من المؤسسة عند العمل عن بُعد

الجانب القانوني: عندما يصبح الخطأ مكلفًا

في بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي، يخضع تسريب المعلومات الطبية لقوانين صارمة مثل HIPAA أو GDPR. أي تسريب حتى وإن كان نتيجة خطأ في التصفح، قد يؤدي إلى:

  • غرامات مالية كبيرة
  • تعليق تراخيص التشغيل
  • فقدان الثقة من المرضى
  • دعاوى قضائية من الأفراد المتضررين

نظرة مستقبلية: هل هناك حلول أكثر ذكاءً؟

بدأت بعض المؤسسات الصحية في:

  • استخدام متصفحات داخلية مغلقة مبنية على بيئة افتراضية
  • مراقبة نشاط المتصفح في الوقت الحقيقي لمنع التسريب
  • تصميم واجهات عرض تُشفّر جزئيًا ولا يتم إرسال النص الكامل للبيانات إلى المتصفح
  • تطوير أنظمة عرض تعتمد على “البث” لا “النقل”، بحيث يرى الطبيب البيانات دون أن تصل فعليًا إلى جهازه

الصفحة الآمنة لا تعني تجربة آمنة

لا يكفي أن تظهر صفحة النتائج الطبية بشكل آمن. ما يهم هو كيف وصلت، ومَن يراها، وأين تُخزن، وما الذي يرافقها خلف الكواليس؟

التصفح هو الحلقة الأخيرة في سلسلة الأمان، لكنه قد يكون الأولى في سلسلة الخطر إذا لم يُدار بحذر تقني وسلوكي.

شارك