ساعدت الأطراف الصناعية على مر العقود ملايين الأشخاص في تعويض ما فقدوه، لكنها كانت محدودة في مرونتها ووظيفتها. تطورت هذه الصناعة بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث باتت الأطراف تفهم الإشارات العصبية وتنفذها بدقة، لتقترب من القدرة الحركية للأطراف البيولوجية.
يرتكز هذا التقدم على تحويل النية الحركية لدى المستخدم إلى فعل مباشر. لا يتوقف الأمر عند تحريك اليد أو القدم، بل يشمل أيضًا التحكم بالقوة والسرعة والاتجاه بشكل لحظي، مما يغيّر المفهوم التقليدي للإعاقة.
كيف يعمل الطرف الصناعي الذكي؟
تُثبت الحساسات على الجلد أو بالقرب من العضلات، وتلتقط هذه المستشعرات إشارات كهربائية ناتجة عن تفكير المستخدم بالحركة. يعالج الذكاء الاصطناعي هذه الإشارات من خلال خوارزميات تعلم الآلة، ويربطها بأنماط حركية مألوفة.
بمرور الوقت، يتعلم النظام من تكرار الحركات ويحسّن من دقة استجابته. يسمح هذا النهج بإنشاء تجربة تفاعلية، حيث يشعر المستخدم وكأن الجهاز جزء فعلي من جسده.
الواجهات العصبية: جسر مباشر مع الجهاز العصبي
نجحت فرق البحث في تطوير واجهات تتصل بالأعصاب مباشرة، إما عبر أقطاب كهربائية مزروعة أو من خلال أجهزة على الجلد. تستقبل هذه الواجهات الإشارات العصبية قبل أن تُترجِمها الخوارزميات إلى أوامر للطرف الصناعي.
في بعض النماذج، زوّد المطورون الأطراف بقدرة على إرسال إشارات راجعة، كأن يشعر المستخدم بدرجة التماس أو مقاومة الجسم الملموس. ترفع هذه الخاصية من فعالية الجهاز، وتعزز الإحساس بالتحكم الطبيعي.
قابلية التعلّم والتكيّف
يمتلك الطرف الصناعي الذكي القدرة على التكيف مع المستخدم. كلما استخدم الشخص الطرف لفترة أطول، ازدادت كفاءة الاستجابة. على سبيل المثال، يتعلم النظام التمييز بين الإشارات الخاصة بالإمساك بخفة أو بقوة، أو بين تحريك الكتف ورفع الذراع.
هذا التكيف لا يحتاج إلى تعديل برمجي مستمر، بل يتم بشكل ذاتي عبر تغذية الخوارزمية بأنماط استخدام يومية. يعزز ذلك من استمرارية الأداء حتى مع التغيرات الجسدية مثل التعب أو التقلص العضلي.
الأثر الاجتماعي والنفسي
عند امتلاك جهاز يوفر تحكمًا عاليًا واستقلالية، يشعر المستخدم بثقة أكبر بالنفس، ويتراجع شعوره بالحاجة إلى الدعم الدائم. يصبح قادرًا على ممارسة أنشطة كانت سابقًا صعبة أو مستحيلة، مثل الطبخ، والكتابة، واللعب.
تساعد هذه التقنية أيضًا في تسهيل اندماج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع. سواء في المدرسة، أو العمل، أو الأنشطة الترفيهية، تقل الفجوة بينهم وبين غيرهم عندما يستطيعون أداء مهامهم بشكل مستقل.
تحديات تقنية واقتصادية
رغم الميزات المتقدمة، ما زالت الأطراف الذكية تعاني من بعض التحديات:
- التقاط الإشارات العصبية بدقة قد يواجه صعوبة عند وجود خلل عضوي أو تلف عصبي.
- تكاليف التصنيع والتحديث والصيانة مرتفعة، ما يجعلها غير متاحة لغالبية المحتاجين.
- التدريب على استخدام الجهاز يتطلب وقتًا وجهدًا، وقد يحتاج إلى إشراف متخصص.
- أنظمة البيانات المستخدمة قد تُعرض خصوصية المستخدم للخطر إذا لم تُحمَ بشكل صارم.
الأطر الأخلاقية والقانونية
يعيد ظهور هذه الأجهزة طرح تساؤلات مهمة حول الحدود بين الإنسان والتقنية. من يملك بيانات الجهاز؟ وهل يمكن اعتباره امتدادًا قانونيًا للجسد؟ هل يحق للشركات استخدام بيانات الاستخدام لتحسين منتجاتها دون إذن صريح من المستخدم؟
يجب أن تضمن التشريعات الحديثة حماية بيانات المستخدم، وتنص بوضوح على مسؤوليات الأطراف المصنّعة، خصوصًا في حال وقوع خلل يؤدي إلى ضرر بدني أو نفسي.
الابتكار القادم: من التعويض إلى التعزيز
اتجهت الأبحاث حاليًا نحو استخدام واجهات دماغ-حاسوب تسمح بالتحكم في الجهاز دون وسيط عضلي. تعمل هذه التقنية من خلال استقبال موجات الدماغ مباشرة، ومعالجتها لاتخاذ قرارات حركية فورية.
كما تتطلع الفرق البحثية إلى تزويد الأطراف بوظائف إضافية مثل استشعار الحرارة والاهتزازات الدقيقة. وقد تتطور بعض الأطراف لتؤدي وظائف تفوق قدرات الأطراف البيولوجية نفسها، ما يطرح إمكانية تطوير ما يُعرف بـ “الإنسان المعزز”.
يُعد إدماج الذكاء الاصطناعي في تصميم الأطراف الصناعية تطورًا ثوريًا لا يقتصر على الطب، بل يغير نظرتنا لقدرات الإنسان نفسه. تحوّلت الأطراف من أجهزة جامدة إلى وحدات ذكية تتفاعل مع مشاعر الجسد وإشاراته.
لكن تحقيق العدالة في الوصول إلى هذه التقنية يتطلب أن نرافق الابتكار بسياسات شاملة للرعاية والتأمين والدعم المجتمعي. فلا جدوى من التطور إذا بقي محصورًا في فئة محدودة دون غيرها.